للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى إِلا الحَجَّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْكِى. فَقَالَ: " أَنَفِسْتِ؟ " - يَعْنِى الحَيْضَةَ. قَالَتْ - قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " إِنَّ هَذَا شَىْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِى مَا يَقْضِى الحَاجُّ، غَيْرَ أَلا تَطُوفِى بِالبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِى ". قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالبَقَرِ.

ــ

تطهر، وعليه كافة الفقهاء خلافاً لبعض السلف.

وقول عائشة: " نفست " وقولها فى الحديث الآخر: " طمثت "، وفى الآخر: "عَرَكت ": بفتح الراء، كلها بمعنى: حضت، يقال: حاضت المرأة، وتحيضت ونَفِسَتْ ونُفِسَت وعَرَكتْ وطِمِثت وطَمْثَتْ ودرست وعَصَرتْ، وفى هذين الحديثين وغيرهما خروج النساء إلى الحج مع أزواجهن، ولا خلاف فى وجوب الحج على المرأة كالرجل إذا استطاعته، لكن اختلف هل المحَرَمُ من الاستطاعة أم لا؟ لنهيه - عليه السلام - عن سفرها مع غير ذى محرم، على ما سنذكره بعد عند ذكر هذا الحديث، واختلفوا هل لزوجها منعها من حج الفريضة؟ فجمهورهم على أن ليس له ذلك، واختلف قول الشافعى، فوافق على هذا مرة، وقال مرةً: له منعها، ولم يختلفوا أن له منعها من حج التطوع.

وقول عائشة: " خرجنا نلبى لا نذكر حجاً ولا عمرةً "، قال الإمام: يحتمل أن يكون قولها: " لا نذكر ": أى لا تنطق بذلك، وهذا مذهب مالك أن النية تجزئ فى ذلك دون النطق، ويحتمل أن تكون أنها أرادت أنها عقدت إحرامها مبهماً، وهذا أحد التأويلات - أيضاً - فى إحرامه - عليه السلام - فى حجته أنه كان أولاً مبهماً، حتى أوحى إليه بتعيين ذلك على خلاف المذكور فيه، والأظهر من التأويلين الأول وأنها أرادت النطق؛ لأنها ذكرت - فيما تقدم - أنها كانت أهلّت بعمرة، فيبعد تأويل الإبهام عليها.

قال القاضى: هذا هو الصحيح الذى لا يجب أن يقال سواه، وهى تصرح فى غير حديث بإهلالهم بالحج، ولا يصح ما روى من الإبهام عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الرواية عن جابر وغيره من الصحابة تخالف فى الآثار الصحيحة المشهورة، وقوله: " لولا إنى أهديت لأهللت بعمرةٍ ".

وقوله: " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى معى، حتى أشتريه ثم أحل "، قال الإمام: يتعلق به من يقول: إن التمتع أفضل؛ إذ لا يتمنى - عليه السلام - إلا ما هو أفضل، ويحتمل أنه يريد بهذا الفسخ الذى هو خاصٌ لأصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل مخالفتهم الجاهلية، ولم يرد بذلك المتعة التى يذهب إليها المخالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>