للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَأَنَا شَابٌ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا رُئِيتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبَى مُعَاوِيَةَ. وَزَادَ: قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ.

(...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ

ــ

قال القاضى: كان فى التقدير قابلاً، قال له: إن فلاناً يريد [بك] (١) كذا وكذا، وينازعك فى كذا، فقال: عليك غيرى، وأما أنا فلا أبالى به، ولست ممن أنازعه. ولكن تعليل سيبويه وما تقدم من حاجة هذا إلى فعل آخر يبلغ الغائب هذا. وضعفه عندهم، إذ ليس ثمّ ما يدل عليه يرد قوله. والذى عندى أن هذه الكلمة، ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته؛ ولهذا ما استجازوه وخصوه من إغراء الغائب [وإن كانت صورته فلهذا الغائب] (٢) ولم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بالتزام غيره، وطلبه ومعاندته بما جرى ذكره من ذلك، وإنما أراد الإخبار عن نفسه بقلة مبالاته للغائب، وأنه غير متأتٍ له منه ما يريد، وجاء بهذه الصورة التى تدل على تركه، حتى لا يصل منه إلى مراده، حتى يكون كمن اشتغل عنه بغيره. وكثيرًا ما يستعمل الناس فى كلامهم مثله، ونحوه قولهم: إليك عنى! أى اجعل شغلك بنفسك عنى، ولم يرد أن يُغريه بنفسه ولا أمره حقيقة بالشغل بها، وإنما مراده: تنح عنى ودعنى، وكن كمن شُغل عنى.

الغلط الثالث: عدهم هذه اللفظة فى الحديث من إغراء الغائب حتى قال: قال أبو عبيد: فيه حجة لمن أجاز ذلك، وجعلها السيرافىّ من باب: عليه رجلاً ليْسنى، على ما تقدم. وأن ما جرى من الذكر له صار كالحاضر، فلذلك جاز. وكان بعض من لقيناه من أئمة العربية يقول: إنما جاز هذا فى هذا الحديث؛ لأن فى تبليغ الشاهد للغائب ما يغنى عن إضمار فعل التبليغ للغائب المستقبح.

قال القاضى: والصواب: أنه ليس فى الحديث إغراء بغائب جملة، والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم - عليه السلام - من الشباب، فقال: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ". قالها هاهنا فى عليه ليست لغائب، وإنما هى لمن خصه من الحاضرين بعدم الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابه بكاف المخاطب؛ لأنه لم يتعين منهم، ولإبهامه بلفظة " مَنْ "، وإن كان حاضرًا، وهذا كثير فى القرآن


(١) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.
(٢) من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>