للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقليل، يداً بيد، وواحداً بآخر، على اختلاف ألفاظ الحديث وإنما يراعى اختلاف العدد والجنس مع الأجل إلا فى النقد.

وفيه أن قوله: " جارية من السبى " فى الحديث الواحد: دليل على أنه لم يقع على طريق المشاحة بل على المكارمة؛ إن لم تحضر حينئذٍ ولم يرها، فلم يكن بيعاً، وإنما كان استرجاعاً على تطييب نفسه بالعوض ويجمع بين هذا وبين قوله فى الرواية الأخرى: " فاشتراها بسبعة [أرؤس": أن دحية شح بحقه فيها وتمييزها فى حقه. ولم يرض فى أخذ العوض عنها بجارية حتى أرضاه النبى - عليه السلام - بسبعة] (١)، فيجمع الأحاديث كما فعل فى سبى هوازن.

وقوله لهم: " فمن شاء أن يكون على حقه، حتى نعطيه من أول ما يفىء الله علينا ": تطيباً لأنفسهم. فيه إعطاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية لدحية حين سأله جارية من السبى، ولم يأت فى الحديث أنه بعد القسم. [وصفية مما أصيبت من العنوة، ولم تكن فيها لأنها من حصن الغموص] (٢)، وهو مما أخذ عنوةً، وبها أخذت صفية على ما ذكر ابن إسحاق فيحتمل أنها مما كان خلص للخمس، فنفله النبى - عليه السلام - إياها، أو قل القسم حتى يحسبها من الخمس.

لكن جاء فى الحديث الآخر: أنها خرجت فيمن سهمه، فوجه الجمع بين الحديثين أن يجعل السهم هنا لغير القسم؛ لأن من ملك شيئاً وحصل عنده قد يقال له ذلك، ويستعار له اسم السهم الذى يكون فى القرعة. والأولى عندى أن تكون صفية فيئاً؛ لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع، وهو وآل بيته من بنى أبى الحُقيق قد صالحوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرط عليهم ألا يكتموا كنزاً، فإن كتموه فلا ذمة لهم، وأنه سألهم عن كنز حيى بن أخطب فكتموه، وقالوا: أذهبته النفقات، ثم عثر عليه عندهم فاستباحهم وسباهم، وذكر ذلك أبو عبيد وغيره. فصفية لاشك ممن سبى من نسائهم، وممن دخلت أولاً فى صلحهم، فقد صارت فيئاً لا تخمس، وللإمام وضعه حيث أراه الله، فهذا وجهه عندى.

قال الإمام: وأما قوله: " جعل عتقها صداقها ": فإن الناس اختلفوا فى هذا، فمنهم من أجاز ذلك لظاهر [هذا] (٣) الحديث، ومالك وغيره من الفقهاء يمنع ذلك، وقال الشافعى: هى بالخيار إذا أعتقها، فإن امتنعت من تزويجه فله عليها قيمتها. فأما مالك وغيره - ممن وافقه - فيحمل هذا على أنه من خصائص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه خص بالموهوبة، وأجيز له النكاح بغير مهر فلا يقاس غيره عليه فيما خُص - عليه السلام - به، والاعتبار عند بعض أصحابنا يمنع من ذلك أيضاً؛ لأنه إن قدر أنها عقدت على نفسها


(١) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.
(٢) كتبت فى الهامش ولم يشر إليها بسهم.
(٣) زائدة فى ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>