ثم اختلف الكوفيون، فذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فى حديث المصراة: أنه ليس له ردها، وليس التصرية بعيب وتمليكها. وحكى الخطابى عن أبى حنيفة: أنه يرجع بأرْش التصرية وقال زُفر: يرد صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر. ثم اختلف الآخرون بهذا الحديث ممن تقدم، فذهب مالك إلى أن صاع التمر إنما هو حيث هو عيش قوم، فأما فى كل بلد فيخرج من غالب قوتهم صاعًا، وقاله الطبرى. وأما الشافعى والباقون فقالوا: لا يخرج إلا بالصاع تمرًا، وإن عدم عندهم ثم أخرج قيمته. وتقدم قول أبى يوسف وابن أبى ليلى بإخراج القيمة. وروى عن مالك قولة شاذة: يؤدى له قدر مكيلة ما حلب من اللبن تمرًا أو قيمته.
وحجة أبى حنيفة ومذهبه: أن حديث المصراة منسوخ بحديث الغلَّة بالضمان. ومخالفته عنده الأصول من وجوه:
منها: مخالفة الأصل من أن الغلَّة بالضمان، وقد مضى الجواب عنه من أنها ليست بغلة إنما كان مجملاً فيها فلزم رده. وأيضًا فيكون هذا خاصًا فيه. ومسألتنا، وحديث الخراج بالضمان عام، والخاص يقضى على العام.
ثانيها: تقدير القيمة. وقد اختلف المذهب عندنا، ومضى الجواب عنه - أيضاً - بقطع التشاجر كدية الشجاج، وهى مختلفة فى الكبير والصغير، فقد تكون موضحة تستوفى جلدة الرأس وأخرى لم توضح من العظم لها فرد مدخل مسألة، وكذلك المأمومة وغيرها؛ ولهذا أمثلة فى الشرع كثيرة.
وثالثها: كون القيمة تمرًا وقيم المتلفات فى الأصول إنما هى بالعين، وقد تقدم الجواب عليه. وقد وجدنا الشرع جعل الديات على أهل الإبل إبلاً؛ إذ هى جل أموالهم، وجعل فى الجنين غرة.
ورابعها: دفع الطعام عن الطعام غير يد بيد، وهذا غير لازم هاهنا؛ إذ ليس فى هذا مبايعة وهى الممنوعة فى الباب، وإنما هو حكم أوجبه الشرع ليس باختيارهما (١) فيتهمهما بالذريعة فيه.
خامسًا: إن جزم للمكيل أو الموزون بمثله، وقد عدل هنا عن المثل، والجواب: إنا