للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ سَارَرْتَهُ؟ ". فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: " إِنَّ الَّذِى حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا ". قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا.

(...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَه.

ــ

بعدك؟ " (١) فهذا يدل على قرب المال. وقوله فى هذه الرواية هل يفسر قوله فى رواية مالك: " هل علمت أن الله حرمها؟ " (٢) وأنه على الاستفهام ليبين الحال، لا على التوبيخ على ما ذهب إليه بعضهم. وفيه دليل على أن الجاهل قبل هذا لا إثم عليه بالتحريم، ما لم يفرط فى التعليم بعد إمكانه.

وقوله: لا. فسار إنساناً، وقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بم ساررته؟ قال: أَمرتُه ببيعها: الآمر هنا والمسؤول هو المهدى الأغر، كذلك جاء مفسرًا فى رواية غسان على زيد ابن أسلم فى هذا الحديث، وفيه: أن رجلاً من دوس جاء إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر القصة، وفيه: فأمر الدوسى غلامه ببيعها، فلما ولى بها قال له النبى - عليه السلام -: " ماذا أمرت بها؟ " قال: أمرته ببيعها - الحديث. هنا خلاف ما ظنه بعض الشارحين، يوهم ظاهر اللفظ أن الذى ساره وأمره وخصه النبى - عليه السلام - هو رجل أجنبى غيره، وفيه: أن على العالم أن يكشف عما يظن أن باطنه فاسِد. وقيل عن ذلك: أن يجرى فيه ما لا يجوز، كما سأل النبى - عليه السلام - عن مسارته فى شأنها وعلم من جهله بحكمها، لما قد جريه قداح منه فاستكشفه عن ذلك، فإذا به كما ظنه. ولم يكن هذا من التجسس والكشف عن الأسرار وكثرة السؤال؛ لأن المذموم من ذلك كله والمنهى عنه فيما لا يختص بالإنسان ولا بما يلزمه القيام به، وأما ما يختص بالإنسان منفعته أو مضرته أو يكون النظر والإسناد فيه والعضاء له فعليه البحث فى كل ذلك ومعرفة صحيحه وسقيمه والكشف عن الأسرار؛ لئلا يجرى من ذلك شىء يضره، أو يضاف إليه مما لا يرضاه ولا يسيغه.

وقوله: " إن الذى حرم شربها حرم بيعها ": قال بعضهم: فيه دليل على منع بيع الذبول والعذرة وغيرها من النجاسات، وهو قول مالك والشافعى، وأجاز ذلك الكوفيون والطبرى وبعض متقدمى أصحابنا، وأجازه آخرون منهم للمشترى دون البائع، وكذلك يقول الشافعى فى أبعار ما يؤكل لحمه وروثه لقوله: " نجاسته "، ومالك يجيز بيعه


(١) أحمد فى المسند ٤/ ٢٢٧.
(٢) مالك فى الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر ٢/ ٨٤٦ رقم (١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>