لقوله:" بطهارته "، ويحتمل أن يريد قوله:" إن الذى حرم شربها حرم بيعها "، أى أن الله قد حرم الحكمين لا أن معناه: أن السبب الموجب بتحريم شرائها أوجب تحريم بيعها؛ لأن موجب تحريم الشرب ما نص الله عليه من إلقاء العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ومن لا يمنع البيع أدى بيعها من الكفار وممن لا يمنع من ذلك.
والأظهر أنه على الخبر عن الله لا على ذكر التعليل بدليل الحديث الآخر: لما نزلت آخر سورة البقرة خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، فأقبل على الناس، ثم نهى عن التجارة فى الخمر، وقد يحتمل أن الحكم فيمن حرم شربه أو أكله مما هو المقصود من تحريم بيعه وسائر منافعه، كما جاء فى حديث شحوم اليهود، وفى سفكهم لها فى طرق المدينة ما يحتج به ربيعة، ومن قال بقولهم فى طهارة الخمر، وإليه ذهب سعيد بن الحذاء والهروى لو كانت نجسة لتنجست بها الطرق، وتأذى بها المسلمون كما لا يباح إجراء الأقذار فى الطرق، ويمنع من فعله، وكافة السلف والخلف على نجاسة الخمر والدليل على نجاستها مع إجماع الكافة عليها قديماً وحديثاً إلا من شذ تحريم بيعها، وما حرم بيعه لا يخلو تحريمه أن يكون لحرمته كالجرو، ولا حرمة للخمر، فيقال: منع من بيعها مذهبنا وما لا منفعة فيه أصلاً كالجعلان والخمر، فقد تخلل على ما تقدم وينتفع بها، أو لنجاسته كالميتة والدم والخمر من هذا القليل، ويتأول معنى صبها فى طرق المدينة أن الطرق كانت واسعة يفى منها من حيث يمر المار، ولا يتأذى بذلك، وكذلك كانت طرق المدينة، وقد قيل: فعل ذلك ليشتهر الأمر ويذيع حكمه فيها بالأذقة ويمنع البيع.
وقوله:" ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما " ولم يذكر أنه شقهما، وفى ظاهره حجة لمن لا يرى كسر أوانى الخمر، ويرى غسلها واستعمالها. وقد اختلف العلماء فى ذلك. وعن مالك فيه قولان؛ فقال: من وجد عنده خمر من آنية كسرت الظروف وشقت. فقيل: لعل ذلك عقوبة له فى القول بالعقوبة فى الأموال، وقيل: لأن ما فيها لا يطهر بالغسل لتداخله فيه ولو كان يوجد الغسل لم يفسد، ونحوه لمالك إذا طبخ فيها الماء وغسلت أنها تستعمل، وقد يحتمل أن يكون أمر مالك بكسرها فيمن خيف منه العود إلى عملها وإن ضاربه ليستعين بذلك على معصية، وحديث أبى طلحة فى كسرهم الجراب حجة. ولمالك وليس فى هذا الحديث تصريح أنها لم تشق، وإنما قال:" ففتح "، وقد يكون الفتح بشق أجوافها.