للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِىَ الْقَلْبُ ".

ــ

وقد يقال هذه المشتبهات إمَّا أن تكون حرامًا أو حلالاً، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحلال بين، وإن الحرام بين "، فإن كانت محرمة فيجب أن تكون بينة على ظاهر قوله، وإن كانت محللة فيجب أن تكون بينة على ظاهر قوله أيضًا. قيل: قد يقع منها ما هو مكروه وهو كثير فيها فلا يقال: إنه حرام بين، ولا حلال بين لا كراهية فيه.

وأيضًا فقد يكون المراد ما استقر عليه الشرع من تحريم وتحليل وما نزل بيانه واضحًا بينًا، وإليه أشار بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحلال بين، والحرام بين "، ولا شك أن تحريم الربا والميتة والدم ولحم الخنزير بين، ولا شك أن تحليل الأكل من طيبات ما اكتسبنا، وتزويج النساء، حلال بين. وإلى هذا وأمثاله أشار، وإن كانت المشتبهات لها أحكام ما؛ ولهذا قال: " لا يعلمهن كثير من الناس "؛ ولو كانت لا حكم [إلا] (١) لله فيها لم يقل: " لا يعلمهن كثير من الناس "؛ لأن الكل حينئذ لا يعلمونها، وقد يدخل هذا الحديث فى الاستدلال على حماية الذريعة وصحة القول به كما ذهب إليه مالك؛ لقوله - عليه السلام: " كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ".

قال القاضى: ما ذكره - رحمه الله - صحيح، لكن قوله فى ذكر الأخت من الرضاعة إذا كانت هى بين من يرضع معه، كلام لا وجه له، ورُبَّ أخوين من الرضاعة يمكن أن يكون أحدهما فى سن أمّى الأخرى أكبر لتقدم رضاع الأكبر لأم الأصغر فى شبابها وأول بطونها وليس من حكم الرضاع عند أحد، أو يكون فى لبن ولادة واحدة وبطن واحدٍ، ولا أعلم ما اضطره إلى ذكر هذه الزيادة التى لا معنى لها وأتيا هنا (٢) خطأ.

وقوله: " ألا وإن فى الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى (٣) القلب ": المضغة: القطعة من اللحم، وسميت فى الحديث مضغة إشارة إلى تصغير هذا العضو؛ لأن أصل المضغة قدر ما يمضغه الإنسان فى فيه كالأكلة للقمة. تصغير هذا العضو بهذا اللفظ لإضافته إلى سائر الجسد.

قال الإمام: واختلف الناس فى محل العقل من الإنسان، فذهب بعض الأئمة من المتكلمين أنه فى القلب، وإليه صار جمهور الفلاسفة، ويحكى عن أرسطاطاليس - وهو


(١) من ع.
(٢) هكذا رسمت من الأصل.
(٣) فى المخطوطة: وهو، والمثبت من الصحيحة المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>