للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حدوا فيه وعوقبوا عليه، ولومهم على ما سلف منهم وتوبيخهم عليه؛ إذ لم يكونوا موافقين له فى الحين. وأيضاً فإن فى تكرار ذلك على الإماء والنساء سقوط بحشمتهن وكشف ستر الحياء بينهن وبين ساداتهن، حتى تسقط هيبتهن لهم فى ذلك فيكون سبب العود له؛ لأن الشىء إذا أكثر من ذكره أنس به ولم يبال عنه.

وقوله: " ثم إن زنت فاجلدوها ": سنة فيمن تكرر منه الزنا وشبهه من المعاصى بعد حده عليها إن تكرر حده، ولا يسقطه الحد الأول.

وقوله: " ثم إن زنت مرة فليبعها ولو بضفير ": جاء مفسراً فى الرواية الأخرى: " فليبعها ولو بحبل من شعر " وكل حبل ضفير، وكذلك كل ما ضفر وفتل حض على بيعها وتأكيد فى الخروج عن ملكها البعد عن صحبتها بعد الرابعة، وليس ذلك بواجب عند جمهور العلماء، خلافاً لداود وأهل الظاهر فى وجوبه، وفى هذا مجانبة أهل المعاصى ومباعدتهم. قالوا: وفيه جواز التغابن وبيع الخطير بالثمن اليسير. ولا خلاف فى هذا مع العلم به، إنما الخلاف إذا كان عن جهالة من الغبون. وعندنا فى ذلك قولان: المعنى كيف كان والالتفات إلى الخروج عن عادة الناس فى التغابن إلى ما يكثر ويسمح فيرد وحده قائل هذا بالزيادة على ثلث الثمن والنقص منه، وليس فى الحديث عندى ما يستدل به على المسألة، وإنما هذا على طريق المبالغة فى بيعها بما أمكن، ولا تحبس ليرصد بها ما يرضى من الثمن.

وقوله فى رواية مالك فى الحديث: أنه - عليه السلام - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فقال: " اجلدها ". كذا فى حديث مالك. قال الطحاوى: لم يقله غير مالك. قال غيره: قد رواه كذلك ولم يخص ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك.

واختلف فى معنى الإحصان هنا فقيل: الحرية، وقيل: التزويج، وقيل: الإسلام، وهذا على الاختلاف فى قوله تعالى فيهن: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَة} الآية (١)، قرئ بفتح الهمزة والصاد وبضم الهمزة وكسر الصاد. واختلف فى تفسير ذلك، هل هما بمعنى التزويج أو الإسلام؟ أو هما بمعنيين؟ بالفتح: الإسلام، وبالضم التزويج، وبحسب ذلك اختلف العلماء فى حد الأمة إذا زنت. فروى عن ابن عباس وبعض السلف: لا حد على أمة فى الزنا حتى تحصن بزوج، ولا حد على عبد، وهو مذهب أبى عبيد وذلك على قراءة " حصن " بالضم. وذهب الجمهور من السلف وفقهاء الأمصار فى أنها تحد نصف حد الحرة، كانت بزوج أم لا (٢) وهذا الحديث حجة لهم، وحديث على المذكور بعد هذا وفيه:


(١) النساء: ٢٥.
(٢) انظر: الاستذكار ٢٤/ ١٠١ وما بعدها، المغنى ١٢/ ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>