للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٥ - (١٧٦٠) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرجَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمؤُونَةِ عَامِلِى، فَهُوَ صَدَقَةٌ ".

ــ

اللفظين، وكذلك العباس وهم ممن يستحقون الميراث، وعلى كذلك - رضى الله عنه - وقد طلبت ميراثها - رضى الله عنها - من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبى بكر - رضى الله عنه - فجاوبها أبو بكر بهذا اللفظ، بما فهمت منه أنه لا شىء لها. وكذلك على وسائر الصحابة - رضى الله عنهم - ولم يعترض أحد منهم بهذا الاعتراض، وكذلك أبوبكر المحتج به. ولا خلاف أنه من أفصح الفصحاء العالمين بذلك، ولو كان اللفظ لا يقتضى المنع لما أورده أبو بكر - رضى الله عنه - ولا تعلق به ولم يسلمه له الآخرون أيضاً، فإن الرفع هو المروى، ومدعى النصب مبطل ونحو هذا أو ما فى معناه.

وقال المهلب: معنى قوله هذا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من معنى قوله: " وإنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة "، وذلك أن الله تعالى بعثه وبعث رسله ليبلغوا عنه، ولا يسألوا على ذلك أجراً ولا مالاً، كما نص [عنه و] (١) عنهم فى محكم كتابه. فحرمت عليهم الصدقة وعلى آليهم، وأن يورث عنهم شىء، نفياً لاكتساب المال، وجمع الدنيا على الأنبياء وتشبثهم بها وتنزيها لهم عنها. هذا فى معنى ما أشار إليه، وذهب الحسن فى معنى قوله: " لا نورث ما تركناه صدقة " أنه خاص للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بين الأنبياء. وقال غيره: إلا أن يكون منهم من لم يعرف حكمه، واحتج بقوله عز وجل عن زكريا: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (٢)، وقول من قال: يريد وراثة المال بدليل قوله: {خِفْتُ الْمَوَالِي} (٣) خلاف من قال: أراد وراثة النبوة إذ لا يخاف الموالى عليها. وذهب الجمهور إلى أن ظاهره العموم (٤). وقد روى: " إنا معشر الأنبياء لا نورث "، وفى كتاب أبى داود: " كل مال النبى صدقة، إلا ما أطعمه هبة أو كساهم لا يورث " (٥).

وقوله: " لا يقتسم ورثتى ديناراً ولا درهماً " قيل: هو تنبيه على ما بعده، ومن الأدنى على الأعلى، والقليل على الكثير، كما قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ إن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} (٦)، وكما قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} (٧). وقال الطبرى: وليس قوله هذا بمعنى النهى؛ إذ إنما ينهى عما يمكن وقوعه ولا ينهى عما لا سبيل إلى فعله،


(١) سقط من الأصل، والمثبت من س.
(٢) مريم: ٦.
(٣) مريم: ٥.
(٤) انظر: تفسير القرطبى ١١/ ٨٢.
(٥) سبق تخريجه قريباً.
(٦) آل عمران: ٧٥.
(٧) الزلزلة: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>