للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ. قَالَ لِعَلِىٍّ: " اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالَ لَهُ المُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِىٌّ: لا. وَاللهِ، لا أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرِنِى مَكَانَهَا "،

ــ

الكلام على معنى " اللهم " وقول من قال معناها: بالله أمنا بخيرك واقصدنا، فذكر بعض الحروف اختصاراً، فإنما ساعدهم على مخالفة القادتين منه ومنهم لا فيما اختلف من جهة المعنى لا لبس فى ترك وصفه بالنبوة نفياً لها عنه، ولا فى ترك بعض صفات الله تعالى نفياً لها عنه، وإنما الذى لا يجوز لو طالبوهم أن يكتب لهم ما لا يحل قوله واعتقاده للمسلمين؛ من ذكر اكهتهم وشركهم. وقد قيل: إن حرص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا للصلح وتمامه بكل حال، إنما كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فهم عن ربه - عز وجل - من إرادته ذلك لخلاء ناقته به.

وقوله: " حبسها حابس الفيل ": يريد أمر الله ومراده. وقد يحتج بما تقدم أن النصارى والمجوس لا يلزمون الحلف فى الحقوق بالله الذى لا إله إلا هو، وفيها خلاف عندنا فى المذهب، واختلاف فى التأويل على مراده فى المدونة بقوله: " لا يحلفون إلا بالله ". وقوله فى رواية زكرياء عن أبى إسحاق عن البراء: " فمحاها وكتب: ابن عبد الله ": احتج بهذا اللفظ بعض الناس على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب ذلك بيده على ظاهر هذا اللفظ، ونحوه منه ذكره البخارى من رواية إسرائيل عن أبى إسحاق، وقال: " فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكتاب فكتب " وزاد عنه من طريق آخر ولا يحسن أن يكتب فكتب، وقال هؤلاء فإن الله - سبحانه - أجرى على يديه ذلك إما بأن كتب ذلك القلم فى يده وهو غير عالم بما يكتب، أو أن الله - سبحانه - علمه ذلك حينئذ حتى كتب، وجعل هذا زيادة فى معجزته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان أمياً، فكما علمه ما لم يعلم من العلم وجعله قرأ ما لم يقرأ، وتلا ما لم يتل، فكذلك علمه أن يكتب ما لم يكتب، وخط ما لم يخط بعد النبوة وأجرى ذلك على يديه، وأن هذا لا يقدح فى وصفه بالأمية، واحتجوا بأقوال حاتم عن الشعبى وبعض السلفيين، هذا وإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت حتى كتب. وإلى جواز ذلك ذهب الباجى وحكاه عن الشيبانى وأبى ذر وغيرهما.

وذهب الأكثر إلى منع هذا جملة، أن وصفه الله تعالى بالأمية وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك} (١)، وقوله عليه السلام: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " (٢) يرده. وزعم هؤلاء أن كتابه هذا وإن صورناه معجزة لو صح يبطل


(١) العنكبوت: ٤٨.
(٢) البخارى، ك الصوم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكتب ولا نحسب " ٣/ ٣٥، مسلم، ك الصيام، ب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ٢/ ١٥، أحمد ٢/ ٤٣، ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>