للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَبَسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلبَكُمْ مِنْهَا شَىْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا ".

ــ

حنيفة وصاحباه إلى أنه بالسن والظفر المنفصلين المنزوعين، ولا يجوز بالمتصلين، ولا يؤكل لأنه خنق. وحكى هذا عن مالك، وهو قول ابن حبيب، وعن مالك التفريق بين السن والعظم وأنه يجزيه بالعظم وهو مشهور مذهبه ويكرهه بالسن وفى المبسوط (١)، وحكى ابن المنذر عنه جوازه بالقرن والعظم، وكل شىء يمر مراً، وهذا نحو قول من أجاز جميع ذلك بما كان بعظم أو سن أو ظفر أو غيره. واختاره ابن القصار إذا كان عريضاً محدوداً يقطع الحلقوم والأوداج بمدوة كان مما يؤكل لحمه أو لا، ويمنعه ابن جريج بما لا يؤكل لحمه، وقال فى الحديث: " كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " كذا رواه مسلم والبخارى (٢)، وفيه حذف وتمامه فى رواية غيرهما وذكر اسم الله عليه (٣). وقد بين فى غيره تتمة المسألة بقوله: " وفرا الأوداج "، وفى حديث آخر: " ما فرى الأوداج فكل " (٤). فأخذ بظاهره قوم، منهم ابن عباس وعطاء، وتأوله بعض شيوخنا عن مالك من ألفاظ وقعت له فيما قطعت أوداجه أنه قد تمت ذكاته، ولم يشترط غير الودجين. ومشهور مذهبه ومذهب أصحابه اشتراط قطع الحلقوم مع الودجين، وهو قول الليث، وحكى عنه البغداديون شرطاً رابعاً وهو قطع المرىء، وهو قول أبى ثور باشتراط الأربعة.

ثم اختلف أصحابنا فى مراعاة قطع ذلك من الحلقوم أو أكثره، واختلاف عن مالك فى جواز قطع أحد الودجين والحلقوم. وذهب الشافعى إلى اشتراط الحلقوم والمدى دون الودجين، لكن من تمامهما الودجان ولا يجزى دونهما، ويجريان دون الودجين (٥). ثم عن قدماء أصحابنا خلاف كثير فى مراعاة الغلصمة، وكون الذبح تحتها. والناس مجموعون متى كان القطع فى الأعضاء المذكورة تحت الغلصمة فقد تمت الذكاة، وكذلك يتعلق بقوله: " ما أنهر الدم " من يتخير نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، وأن الذبح والنحر ذكاة للجميع لإنهاره الدم، وهو قول عامة السلف والعلماء وفقهاء الأمصار. وأشهب من أصحابنا ومالك يمنع أكله، مرة بالكراهة، ومرة جملة، وله قول فى أكل ذبح ما ينحر دون نحر ما يذبح. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً حرم أكل شىء من ذلك كله. ولم يختلفوا أن الذبح أولى فى الغنم، والنحر أولى فى الإبل، والتخير فى البقر. وقيل: الذبح لأنه الذى ذكر الله.


(١) التمهيد ١٦/ ١٢٨ وما بعدها، الاستذكار ١٥/ ٢٣٢.
(٢) ك الذبائح والصيد، ب ما أنهر الدم من القصبة والمدوة والحديد ٧/ ١١٨.
(٣) أبو داود، ك الضحايا، ب فى الذبيحة بالمدوة ٢/ ٩١.
(٤) الموطأ، ك الذبائح، ب ما يجوز من الذكاة فى حال الضرورة ٢/ ٤٨٩ (٦)، وعبد الرزاق فى مصنفه، ك المناسك، ب ما يزكى به (٨٦٣٠).
(٥) الاستذكار ٥/ ٢٤١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>