للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْزِلِنَا فَيَطْعَمَ مَعَنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا خِفْتُ أَنْ يُصِيْبَنِى مِنْهُ أَذًى. قَالَ: فَأَبَوْا. فَلَمَّا جَاءَ لَمْ يَبْدَأْ بِشَىْءٍ أَوَّلَ مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَفَرَغَتُمْ مِنْ أَضْيَافِكُمْ؟ قَالَ: قَالُوا: لا، وَاللهِ، مَا فَرَغْنَا. قَالَ: أَلَمْ آمُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: وَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَتَنَحيْتُ. قَالَ: فَقَالَ: يَا غنْثَرُ! أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى إِلا جِئْتَ. قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: وَاللهِ، مَالِى ذَنْبٌ، هَؤُلاَءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ،

ــ

التأويل فى قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلان} (١) وقد يكون " أفرغ إلى أضيافك ": أى يفرغ من كل شغل إلا شغلهم، كما قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} (٢) من كل شىء إلا من ذكره والاهتمام به، وقيل غير هذا.

وقوله: " وكان أبى يتحدث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل "، وقوله: " ولبث حتى تعشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه جواز السمر بعد العشاء إذا كان علم أو مصالح المسلمين، ومسامرة الرئيس مع وزرائه لتدبير أموره ومصالح رعاياه. وإنما نهى عنه للحديث فى غير فائدة.

إيابة الأضياف من الأكل حتى يأتى أبو بكر أدب منهم، لئلا يتعشوا دونه ولم يعلموا أنه يتعشى عند النبى - عليه السلام - لكن الصواب للضيف ألا يتحكم على رب الدار فيما أدياه من طعام، وألا يكون له اختيار معه فى ذلك، فربما كان لرب الدار عذر لا يمكن إبداءه فتحرجه مخالفتهم له كما كان من قصة أبى بكر وحرجه.

وقول عبد الرحمن " فذهبت فاختبأت " يعنى: خوفاً من أبى بكر، وكان - رضى الله عنه - فى خلقه حدة، كما قال فى الحديث نفسه: " إنه رجل حديد "، وأخشى أن يصبنى منه أذى. ورواه القابسى: " فاحتبذت "، والأوجه الأول.

وقول أبى بكر له: " يا غنثر، فجدع وسب " بضم العين المعجمة وفتح الثاء المثلثة وضمها معاً، قال الإمام: قال الهروى: أحسبه الثقيل الوخيم، وقيل: هو الجاهل. والغثارة: الجهل، يقال: رجل غثر والنون فيه زائدة.

قال القاضى: وقيل: الغنثر: سفهاء الناس. وقال كراع: الغنثر: ذباب أزرق، وقال غيره: هو مأخوذ من الغثر وهو اللؤم والسقوط، كأنه قال له: يا لئيم. النون هاهنا زائدة، وهذه الكلمة إنما قالها له أبو بكر على سبيل السب والتعنيف له والتحقير؛ إذ لم يبلغه أمله من بر أضيافه وتقديمهم، وظن به التفريط فيهم، ألا تراه كيف قال: " فجدع وسب ".


(١) الرحمن: ٣١.
(٢) القصص: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>