للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ أَتَيتهُمْ بِقِرَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَطْعَمُوا حَتَّى تَجِىءَ قَالَ: فَقَالَ: مَا لَكُمْ، أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، لا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَقَالُوا: فَوَاللهِ، لا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ كَالشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ قَطُّ. وَيْلَكُمْ، مَا لَكُمْ أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الأُوَلَى فَمِنَ الشَّيْطَانِ، هَلُمُّواَ قِرَاكُمْ. قَالَ: فَجِىءَ بِالطَّعَامِ فَسَمَّى فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَالَ: فَلَمَّا

ــ

قال أبو عمر الشيبانى: جادعته مجادعة: ساببته، والمجادعة بالدال المهملة: المساببة والمساررة، وقال غيره: معناه دعى عليه بالجدع، وهو قطع الأنف والأذن وقد ذكر الخطابى هذا الحرف ورواه: " يا عنتر " بفتح العين المهملة وتاء بثنتين مفتوحة. وقال: هو الذباب تحقيراً له، وقيل: هو الأزرق منه، وحكى فى الرواية الأخرى عن البخارى وغيره كما تقدم. وعلقنا عن بعض الشيوخ أن صوابه: " غنثر " بفتح الغين المعجمة وفتح الثاء المثلثة، وبضم الغين ضبطها الخطابى فى الرواية الأخرى، وبها ضبطناها عن عامة شيوخنا.

وقوله: " كلوا لا هنيئاً " فى الحديث الأول صفة للحال التى أخرجته، وأخرجه الحال بتأخرهم عن قِراهم وقت أتاهم، وأنهم لم يتهيؤوه حينئذ، إلا أنه دعا عليهم. وقد يحتمل أن الحرج والضجر الذى طبع عليه بنو آدم حمله على هذه الكلمة.

وحلفه ألا يطعمه وحلفهم هم ألا يطعموا حتى يطعم، كله من عدم الهناء.

وتحنيث أبى بكر نفسه، من كرم الأخلاق، والأولى تحمل المضيف على نفسه، إذ لو لم يحنث نفسه لا هو ولا هم خرجوا عنه دون قِرى، وفيه ما فيه وهم أعذر منه، فكان الأولى بصاحب المنزل والمضيف الحمل على نفسه والصبر، وتحنيث نفسه، وتطييب قلوب أضيافه بأكله معهم وإزالة حرجه، بذلك سنتهم، وتمام برهم بإجابتهم إلى مرادهم وتأنيسهم. والحديث الثانى فى أكله معهم مفسر للأول، وهو أحسن مساقاً، وفى الأول تقديم وتأخير، ولم يذكر فيه أكله معهم.

قوله: " أما الأولى فمن الشيطان ": يعنى [حلفه ألا يطعمه، وقد جاء كذا فى الحديث نفسه مفسراً، يعنى] (١) يمينه. وقيل: بل أراد اللقمة الأولى للشيطان، أى لقمعه وأخرى به ومخالفته الذى أغواه باليمين إذ بها وقع الحنث فيها.

وما ذكر فى بقية الحديث من أنهم ما كانوا يأخذون منها لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، وأنهم أكلوا حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت، وأنهم بعد أكل جميعهم حملوا منها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأصبحت عنده حتى أكل منها الناس الكثير. الذي ذكر فى


(١) سقط من ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>