للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، بَرَّوا وَحَنِثْتُ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: " بَلْ أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ ".

قَالَ: وَلَمْ تَبْلُغْنِى كَفَّارَةٌ.

ــ

الحديث فيه كرامات الصديقين والأولياء، وإظهار الله قدرته وبركته على أيديهم.

وقول زوجه: " لا وقرة عينى، لهن الآن أكثر منه قبل ذلك بثلاث ": معنى " لا " هنا - والله أعلم -: أى ما نقصت شيئاً، بل زادت فحذفت اختصارًا، وأقسمت بما رأته من قرة عينها من بركة بعلها وطعامها وسرورها بذلك. و" قرة العين " يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه. قيل هو: ألا تستشرف عنه لشىء، ويقر لبلوغه أمنيته، مأخوذ من القرار. وقيل: هو مأخوذ من القر وهو البرد، أى بقى الله عينه باردة. قال الأصمعى: معنى " أقر الله عينه ": أى أبرد دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة. وضده عنده: " أسخن الله عينه "؛ لأن دمعة العين سخنة.

وقول أبى بكر للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بروا وحنثت، فقال له: " بل أنت أبرهم وأخيرهم ": دليل على أنه لا حرج فى تحنيث الإنسان نفسه إذا كفر كفارة يمينه، ولاسيما إذا أدى حنثه إلى مكرمة وفعل خير وصلاح.

قال مسلم: بل هو مندوب إلى الحنث فى مثل هذا، وربما وجب عليه أحياناً بحسب تغير ذلك، وهذا مثل الحديث الآخر: " من حلف على يمين فرأى [غيرها] (١) خيراً منها، فليأت الذى هو خير، وليكفر عن يمينه " (٢).

وقوله هنا: " قال: ولم تبلغنى كفارة ": حجة للكافة من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار فى جواز الحنث قبل الكفارة؛ لأن أبا بكر لم يكفر قبل أكله، ولو كان لرواه فى الحديث، فجاء أن كفارته إنما كانت بعد، وقد تكلمنا على المسألة فيمن منعها قبل.

وقوله: " ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم " بتخفيف اللام على التحضيض، واستفتاح الكلام عند الجمهور، وعند ابن أبى جعفر بتشديدها، ومعناه: ما لكم لا تقبلوا قراكم، وما منعكم ذلك وأحوجكم إلى تركه، كما قيل فى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذْ


(١) ساقطة من ح.
(٢) سبق فى ك الأيمان، ب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتى الذى هو خير، ويكفر عن يمينه رقم (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>