للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومعنى " مكفوفان بالديباج " (١): أى جعلت لهما كفة - بالضم - وهو ما يكف به جوانبها، وكل شىء مستطيل كفة - بالضم. قال الخطابى: المكفف من الحرير: ما اتخذ جنبه منه، وكان لذيله وأكمامه كفاف منه (٢)، تقدم الكلام على معنى هذه الجبة.

وقول من قال: لعل الحرير كان محدثاً فيها بعد موت النبى - عليه السلام - وهذا بعيد جداً؛ لأن أسماء إنما احتجت بها على العلم للباس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لأجل الحرير الذى فيها، وقيل: لعل النبى إنما كان يلبسها فى الحرب (٣)، وقد تقدم الكلام على هذا الفصل.

وقولها: " فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها ": لما فى ذلك من بركة (٤) ما لبسه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لمسه، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه - عليه السلام - ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره (٥).

وذكر فى الحديث بعده: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عبيد بن سعيد. كذا لكافة شيوخنا، وفى بعض النسخ: حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا عبيد، وفيه: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب يقول: لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإنى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يقول] (٦): " لا تلبسوا الحرير فمن لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة " (٧)، هذا مذهب عبد الله ومن قال بقوله بتحريمه على الرجال والنساء، وحمله له على العموم. وقد انعقد الإجماع بعد من العلماء على جوازه للنساء؛ وقد ذهب قوم إلى نسخ هذا الحديث لما ورد مما يخالفه فى أمر النساء، وتخصيص تحريمه بالذكور، وقيل نسخ فى النساء والرجال بالإباحة، والجمهور على أنه ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، وإنما هذه أحاديث مجملة، وحديث تخصيص الرجال بذلك مفسر لها، وحمل بعضهم النهى العام فى ذلك على الكراهة لا على التحريم.

وفى قوله: " من لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة " وروى ابن الزبير أنه قال: " من لم يلبسه فى الآخرة لم يدخل الجنة " (٨)، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير} (٩): يحتمل أنه يريد بالحديث كفار ملوك العجم والأمم الذى كان زيهم، ويحتمل أنه يريد من أراد الله عقابه بذلك من مذنبى المؤمنين فتحريمه فى الآخرة وقفاً قبل دخول الجنة، وإمساكه عنها مدة حسابه.


(١) مشارق الأنوار ١/ ٣٤٦، النهاية ٤/ ١٩١.
(٢) معالم السنن ٤/ ٣٢٧ (٤٠٥٠).
(٣) التمهيد ٤/ ٢٥٦.
(٤) كذا فى ز، وفى ح: بركة.
قال معد الكتاب للشاملة: أثبتنا ما في النسخة "ح"، وهو الأولى، والله أعلم.
(٥) سيأتى فى ك الفضائل، ب طيب عرق النبى والتبرك به، رقم (٨٤).
(٦) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.
(٧) حديث رقم (١١) بالباب.
(٨) مسند الإمام أحمد ١/ ٣٧ عن عبد الله بن الزبير.
(٩) الحج: ٢٣، فاطر: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>