للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٢ - (١٠٧) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلمُهُمُ اللهُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكيِّهِم - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلا يَنظُرُ إلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ".

ــ

منَّه ".

وقوله: " المنفق سلعته بالحلف الفاجر وفى الرواية الأخرى: " الكاذب " وهو تفسير الفاجر، وقد جمعت الاستخفاف بحق الله والكذب فيما حلف عليه، وأخذ مال الآخر بغير حقه، وغروره إيَّاه بيمينه (١).

وقوله فى الحديث الآخر فى تفسير الثلاثة: " شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر "، خص هؤلاء الثلاثة بأليم العذاب وعقوبة الإبعاد لالتزام كل واحد منهم المعصية التى ذكر على بعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنبٍ، ولا فى معصيته الله تعالى، لكن لما لم تدعُهم إلى هذه المعاصى ضرائر مزعجة، ولا دواعٍ معتادة، ولا حملتهم عليها أسبابٌ لازمةٌ، أشبه إقدامُهم عليها المعاندةَ، والاستخفاف بحق المعبود، محضًا، وقصد معصيته لا لغير معصيته (٢)، فإن الشيخ مع كمال عقله، وإعذار الله له فى عمره، وكثرة معرفته بطول ما مَرَّ عليه من زمنه، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك، وبَرد مِزاجِه، وإخلاق جديده، [وعنده] (٣) من ذلك ما يُريحه من دواعى الحلال فى هذا الباب من ذاته، ويخلى سره منه بطبيعته، فكيف بالزنا الحرام؟! إذ دواعى ذلك الكبرى الشبابُ، وحرارةُ الغريزة، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة بضعف العقل، وصِغَرِ السِنّ.

وكذلك الإمام لا يخشى من أحد من رعيته، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته، إذ


= قال: وقال السدى: قال بعضهم: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير منقوض، وقال بعضهم: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} عليهم.
قال: وهذا القول الآخر عن بعضهم قد أنكره غير واحد؛ فإن الله - عز وجل - له المنة على أهل الجَنة فى كل حال وآن ولحظةٍ، وإنما دخولها بفضله ورحمته، لا بأعمالهم، فله عليهم المنة سرمدًا. تفسير القرآن العظيم ٨/ ٣٨٣.
(١) فعلى القول فى الكبيرة أنه ما تُوُعِّدَ عليها، تكون تلك الثلاث كبائر، لترتيبه الوعيد عليها.
(٢) فهى معاصٍ مع وجود الصارف، قال الأبى: ويلحق بالثلاثة من شركهم فى المعنى الموجب، كسرقة الغنى، فإنها ليست كسرقة المحتاج، ولا يبعد أن يكون المدح فى أضداد هذه الأنواع أيضاً يتفاوت، فالعفة من الشاب أمدح منها من الشيخ والصدق من غير الملك أمدح منه من الملك والتواضع من الغنى أمدح منه من الفقير. فإن وجد من الشيوخ من لم تنكر حدته فلا يكون مساويًا للشاب لأن التعليل بالوصف لا يضره تخلف الحكمة. إكمال ١/ ٢١٦.
(٣) فى الأصل: عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>