للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٣ - (١٠٨) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ وَهَذَا حَدِيثُ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لا يُبَايِعُهُ إلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ ".

ــ

إنما يُداهن الإنسان ويصانع بالكذب وشبهه من يحذرُه ويخشى [معاقبته، أو أذاه ومعاتبته] (١)، أو يطلب عنده بذلك (٢) منزلةً أَو منفعةً، فهو غنى عن الكذب جملة (٣).

وكذلك العائلُ الفقيرُ، قد عدم (٤) بعدمه المال ولعاعة (٥) الدنيا سبَبَ الفخر، والخُيلاء، والاستكبار على القُرناء، إذ إنما يكون ذلك بأسباب الدنيا والظهور فيها وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويستحقر غيره؟ فلم يبق إلا أنَّ فى استكبار هذا، وكذب الثانى، وزنا الثالث، ضربًا من الاستخفاف بحق الله تعالى، ومعاندة نواهيه، وأوامره، وقلة الخوف من وعيده إذ لم يبق ثَمَّ حاملٌ لهم على هذا سواه، مع سبق القدَرِ لهم بالشقاء.

وقوله فى الحديث الآخر فى تفسيرهم: " ورجل (٦) له فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل " وذكر معنى المنفق سلعته بالحلف، وذكر فيه بعد [صلاة] (٧) العصر، " ورجل بايع إماماً لا يبايُعُه إلا لدنيا ... " الحديث. فأما مانع الماء من ابن السبيل فلأنه منعه حقَّه وما ليس يملك للمانع، وعرَّضه للتلف، فأشبه قاتله (٨)، ولهذا رأى مالك إقادته به إن


(١) فى ت: منه فتنه أو أذاه أو معاتبته.
(٢) فى ق: بذلك عنده.
(٣) هذا فى الملك المستقر ولم يعش الشيخ حتى يرى حاجة الرؤساء والملوك إلى أمثال هذه الأخلاق.
(٤) قيد أمامها بالهامش: وقع مقابلته بالأصل ولله الحمد والمنة.
(٥) اللَّعَاعَةُ: أول النبت، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء، ومنه قولهم: ما بقى فى الدنيا إلا لعاعة، أى بقية يسيرة. اللسان، مادة " لعع ".
(٦) فى ت: رجل.
(٧) من ت.
(٨) حمل العلماء هذا على أنه من نوع ما قبله، فالصارف له - أيضًا - كونه لا يملك أصله، وقد أخذ حاجته وقد استغنى عنه، ككذب الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>