للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الحُمَّى فَوْرٌ مِنْ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ".

ــ

ومعنى قوله: " أنزل الدواء الذى أنزل الداء ": أى أعلمهم إياه وأذن لهم فيه، كما ابتلاهم بالداء وأحدثه فيهم، وقد يكون إنزاله [أنزل الملائكة] (١) خلقه من الأرض وتيسيره بها كما جعل الداء فى الأجساد، وقد يكون إنزاله إنزال الملائكة من السماء الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من داء ودواء - والله أعلم - ويعضد هذا قوله فى غير مسلم: " لم يضع داء إلا وضع له دواء " (٢).

قال بعض أهل العلم بالطب: فى نصه - عليه السلام - فى الأدوية فى الحديث المتقدم على " شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة نار " إشارة إلى جمع ضروب المعاناة القياسية الموهومة (٣)، إذ ضروب المعاناة أربعة: ثلاثة منها مفهومة السبب، وذلك أن ما كان من العلل من ضعف الجسم أو قواه مما يعتريه من غلبة أحد الأخلاط عليه، فمعالجته بالثلاث التى ذكر فى الحديث من " شربة عسل، أو لذعة نار، أو شرطة محجم "، فما كان من امتلاء أو فور خلط بها بالاستفراغ بالدواء والبطء والشرط [والكى] (٤)، وذلك لأنه تخفيف رطوبة الوضع. وما كان سببه من ضعف أحد القوى فيقابل بما يغذيها (٥) وهو شربة عسل وما فى معناه من شرب ما يقوى تلك القوة من الأشربة والأدوية واللطوخ.

والمعاناة الرابعة مما يتعلق بالنفس والروح، وقد يؤدى ذلك إلى ضراعة الجسم وفتور الأعضاء واختلالها؛ كالسحر، والعين، ونظرة الجن ومسه، فمعاناة هذا بالرقى، والكلام الطيب، والتعوذ، وأنواع من الخواص مغيبة السر لا تدرك بقياس.

وتفسيره فى الحديث الحبة السوداء بالشونيز هو الأشهر، والمراد فى هذا الحديث - والله أعلم. وذكر الحربى عن الحسن أنها الخردل، وحكاه الهروى عن غيره أنها الحبة الخضراء، قال: والعرب تسمى الأخضر أسود، والأسود أخضر. والحبة الخضراء ثمرة البطم (٦) وهو شجر الضرو (٧)، قال: وقال ابن الأعرابى هو الشينيز (٨) كذا تقوله العرب.


(١) ضرب عليها بخط فى ز.
(٢) أبو داود، ك الطب، ب فى الرجل يتداوى (٣٨٥٥)، ابن ماجة، ك الطب، ب ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء ٢/ ١١٣٧ (٣٤٦٤)، الترمذى، ك الطب، ب ما جاء فى الدواء والحث عليه ٤/ ٣٣٥.
(٣) فى ح: المفهومة.
(٤) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.
(٥) فى ح: يقويها.
(٦) البطم: هو شجر الحبة الخضراء، واحدتها بطمة، ويقال بالتشديد. وأهل اليمن يسمونها الضرو.
(٧) الضِّرو والضَّرو: شجر طيب الريح يستاك به، ويجعل ورقه فى العطر.
(٨) بكسر الشين غير مهموز، هذه الحبة السوداء. والكلمة أصلها فارسى قال: والفرس يسمونه: الشونيز. وقد عزاه صاحب اللسان لأبى حنيفة الدينورى. انظر: اللسان، مادة " شنز ".

<<  <  ج: ص:  >  >>