للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِى مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. فَقَدِمهَا فى بَشَر كَثِيرٍ مِن قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَاس، وَفَى يَدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةَ جِرَيدَةٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمةَ فِى أصْحَابِهِ، قَالَ: " لَوْ سَأَلْتَنِى هَذِهِ القَطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ أَتعَدَّى أمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّى لأُرَاكَ الَّذِى أُرَيْتَ فِيكَ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّى " ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.

ــ

ورأيت والله خير بقر تنحر. والاسم هنا مخفوض على القسم لتحقيق الرؤيا. وبهذا النص ذكر الخبر ابن (١) هشام فى السير، وسمى هذا خيراً على التفاؤل، هان كان عبارته مكروهة وشراً فى الظاهر فسماه خيراً لعقباه، وهذا كما يقول العابر لمن يقص عليه رؤياه: خير.

والأولى قول من قال: إن قوله: " والله خير " من جملة الرؤيا، وكلمة ألقيت إليه وسمعها فى الرؤيا عند رؤياه البقر؛ بدليل عبارته لها بقوله: " وإذا الخبر ما جاء الله به بعد يوم بدر " الحديث. وكذا ضبطناه وهذه الحروف على جملتهم: " واللهُ خيرُ " بضم الهاء والراء على المبتدأ والخبر، " وبعدُ يومَ بدر " بضم الدال ونصب يوم، وقد روى بضم الدال، قالوا: ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثانية؛ من تثبيت قلوب المؤمنين إذ جمع لهمِ الناس وخوفوا، فزادهم الله ايماناً، وانقلبوا كما أخبر تعالى: {بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء} (٢) وعليه يتأول الخبر هنا مع تفرق العدو عنهم وهيبته لهم.

وهذه الرؤيا تدل أنها كلها (٣) قبل الهجرة، وظاهرها أنها واحدة غير منفصلة، والله أعلم.

وذكر مسلم حديث مسيلمة ووروده على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ومجىء النبى - عليه السلام - إليه وبيده قطعة جريدة، وقوله: " لو سألتنى هذه القطعه ما أعطيتكها ": إنما جاءه - عليه السلام - استئلافاً له ولقومه كما نزل (٤) على عبد الله بن أبى، وليبلغ ما أمر الله بتبليغه مما أنزل عليه، وكان يقصد به من لم يأته. ويحتمل مجيئه إليه لأن مسيلمة قد قصده ليلقاه من بلده، فجاءه هو - أيضاً - مكافأة لفعله.

ففيه تلقى كبير القوم إذا ورد وزيارته، لا سيما فيمن يرجى بذلك منه منفعة فى دين أو دنيا. وكان مسيلمة إذ ذاك يرفع للإسلام ظاهراً، ويشترط شروطاً، وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك. وقد جاء فى حديث آخر: أنه هو أتى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥) ويحتمل أنها مرتان وقد جاء فى حديث آخر: أنه بقى فى ظهر القوم، فسأل عنه - عليه السلام. ولعله أول وفادته.

قيل - والله أعلم -: وإنما قال له: " لو سألتنى هده القطعة " للجريدة التى كانت


(١) فى ح: أن، انظر: سيرة ابن هشام ٣/ ٣٦ رؤيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة أحد.
(٢) آل عمران: ١٧٤.
(٣) فى ح: كانت.
(٤) فى ح: يدل.
(٥) رواه الحاكم فى المستدرك ٣/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>