للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلّهِ - عَزَّ وَجَلَّ.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ.

ــ

قال مالك: كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعفو عن شتمه، وقد عفا عن الذى قال له: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. وهذا وإن كان فيه غضاضة على الدين فقد يكون عفوه عنه لأنه لم يقصد الطعن عليه فى الميل عن الحق، بل اعتقد أنه من رأى مصالح الدنيا الذى يصح الخطأ فيه والصواب، أو كان هذا استئلافًا لمثله كما استألفهم بماله ومال الله رغبة فى إسلام مثله، أو تثبيت قومه. وقد مر من هذا عند ذكر هذا الحديث ما فيه كفاية فى كتاب الزكاة.

وأجمع العلماء أن من سب النبى كفر. واختلفوا هل حكمه حكم المرتد يستتاب؟ أو حكم الزنديق [يقتل لا يستتاب] (١) ولا تقبل توبته (٢)؟ وهو مشهور مذهب مالك، وقول الليث والشافعى وأحمد وإسحاق ورأوا أن قتله وإن تاب للحد، وأن حد من سب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القتل لايدفعه التوبة، كما [لا] (٣) يدفع التوبة حد قذف غيره من المسلمين، وسواء كانت توبته عندهم بعد القدرة عليه، أو جاء معترفًا تائبًا من قِبل نفسه. لكن هذا تنفعه توبته عند الله، ولا يسقط حد القتل عنه. كذا بينه شيوخنا - رحمهم الله. وقال أبو حنيفة والثورى: هى كفر وردة [ويُقبل بتوبته] (٤) إذا تاب، وهى رواية الوليد بن مسلم عن مالك.

واختلفوا إذا سبه الذى بغير الوجه الذى كفر، فعامة العلماء على أنه يقتل لحق النبى كالمسلم. وأبو حنيفة والثورى والكوفيون لا يرون قتله، قالوا: وما هو عليه من الكفر أشد.

واختلف أهل المدينة وأصحاب مالك فى قتله إذا كان سبه بالوجه الذى كفر به من تكذيبه أو جحد بنبوته (٥)، والأصح والأشهر قتله. وقد اختلفوا فى إسلام الكافر بعد سبه، هل يسقط ذلك القتل عنه؟ فالأشهر عندنا سقوطه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. وحكى أبو محمد بن نصر فى درء القتل (٦) عنه بإسلامه روايتين.

وقد يكون قوله: " إلا أن يكون حرمة الله فينتقم لله منها " استثناء منقطعًا أيضاً، أى لا ينتقم لنفسه وحقوقه الذى له العفو عنها، وإنما ينتقم لحقوق الله وحدوده التى لا


(١) فى هامش ح.
(٢) فى الأصل: يقتل قومه، والمثبت من ح.
(٣) ساقطة من ح.
(٤) فى ز: وتقتل توبته.
(٥) هكذا فى الأصل، فى ح: نبوته.
(٦) فى ح: الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>