للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِى رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِى.

ــ

وأما قولها: " طويل النجاد ": فإنما تصفه بامتداد القامة. والنجاد: حمائل السيف، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله، وهذا مما تمدح به الشعراء.

وقولها: " عظيم الرماد ": تصفه بالجود، وكثرة الضيافة من لحم الإبل ومن غيرها من اللحوم، فإذا فعلت ذلك عظمت ناره وكثر وقودها، فيكون الرماد فى الكثرة على قدر ذلك. قال الخطابى: قد يكون إيقاد النار بمعالجة الطعام، واشتواء اللحم ليطعمه الأضياف كرماً. وأمدح له أن يكون ناره لا تطفأ لئلا يهتدى به الضيفان فيكثر عشاؤهم إليه. والأجواد يَطْعِمُون ويُطْعَمُونَ (١) النيران فى ظلم الليل، ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض، ويرفعون على الأيدى الأقباس ليهتدى بسنائها الأضياف.

قال القاضى: قد قيل فى " رفيع العماد " إيهاماً، وأرادت به ظاهره، وهو عماد بيته، وصفته بالعلو والكبر، وكذلك بيوت الأشراف وأهل السؤدد؛ لسعة أحوالهم، وكثرة من يغشاهم فيها ولترى وتقصد وقد وصف غيرهم بضد ذلك، فقيل: قصار البيوت لا يرى أصواتها (٢) من اللؤم يجتاحون عند الشدائد؛ وقيل: أرادت برفيع العماد: أنه طويل فى نفسه، كما جاء فى رواية " طويل العماد "، وكما قالت: " طويل النجاد ". وهو مُما كانت تتمادح به العرب وتهجو بضده، قال الشاعر:

كأنما عمامته بين الرجال لواء

وقولها: " قريب البيت من النادى ": النادى، والندى، والمنتدى: مجلس القوم، قال الله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَر} (٣)، وبذلك سميت دار الندوة للاجتماع للمشورة فيها. ووصفته بالكرم والسؤدد؛ لأنه [لا يقرب] (٤) من النادى إلا من هو بهذه الصفة؛ لأن المجتمع عنده يكون فى فناء بيته بثبات، هاليه هو يعتمد فى ذلك ولأن الضيفان إنما يقصدون مجتمع الحى ليقوم بهم كرماؤهم، واللئام يبعدون بيوتهم عن ذلك ويخفونها لئلا ترى وتظهر ناره فيقصد كما قال الشاعر:

له نار تشب على بقاع (٥) ... إذا النيران ألبست القناعا


(١) فى جميع النسخ: يعظمون.
(٢) فى ز: صورها، والمثبت من ح.
(٣) العنكبوت: ٢٩.
(٤) قيدت بعدها فى ح: بيته، وفى الأبى والنووى: البيت.
(٥) فى الأبى: قناع.

<<  <  ج: ص:  >  >>