للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ادَّعى عليه من ذلك، وقد أحلفه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث ولم يسأله عن حاله؟ قيل له: ليس فى هذا الحديث ما يدل على خلاف ما ذهبنا إليه، وذلك أنه يجوز أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علم من حاله ما أغناه عن السؤال عنه، وفى الحديث ما يدل على أنه كان كذلك، ألا ترى إلى قول خَصمه: إنه رجلٌ فاجر ليس يتورع عن شىء، ثم لم ينكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من قوله، فلو كان عنده بريئاً مما قال، ما ترك النكير عليه.

على أن فى الحديث ما يغنى عن هذا كله، وذلك أنه إنما ادعى عليه بالغصب فى الجاهلية، وكذلك نقول فيمن ادعى على رجُل لا بأس به أنه كان غصبه مالاً فى حالٍ كان فيها فاسقاً ظالماً، فإنا نُحلِّفُه له (١)، إذا كان ظلمه وغصبه معلوماً.

وفى هذا الحديث أن يمين الفاجر تسقط عنه حكم دعوى المدَّعى، كيمين من ليس بفاجر، وأنه ليس تجرى يمينه مجرى شهادته.

وفيه أن الفاجر فى دينه لا يوجب فجوره الحجر عليه ولا إبطال إقراره، ولولا ذلك لم يكن لليمين معنىً.

وفيه أن المدَّعى وإن أقر بأن أصل الشىء الذى ادعى فيه لغيره لم نكلف بتثبيت جهة مصيره ما لم يُعلم إنكاره لذلك، وذلك أنه قال: غلبنى على أرض كانت لأبى، فأمكنه من المطالبة.

وفيه أن من جاء ببينة قُضى له بحقه من غير يمين؛ لأنه محال أن يسأله دون ما يجب [له] (٢) الحكم به، ولو كان من تمام الحكم اليمين (٣) لقال له: بينتك ويمينك على تصديق بينتك.

قال الإمام - رحمه الله -: أما قوله: إن المقرَّ بأنَّ أصل الشىء لغيره لا يكلف تثبيت جهة مصيره إليه، فإن وجه القضاء عندنا أن من ادَّعى شيئاً فى يد غيره، وزعم أنه صار إليه من أبيه، فإنه يُكلف إثبات وفاة أبيه وعدد (٤) ورثته، ولَعلَ هذا الذى فى الحديث عُلمَ موت أبيه وأنه وارثه، أو يكون من بيده الأرض سلَّم له ذلك، ولعل قوله ها هنا: " ما لم يعلم إنكاره لذلك " إشارة إلى ما قلناه من تسليم المطلوب له ما قال، على أن قوله: " ما لم يعلم إنكاره [لذلك] (٥) " كلام فيه إجحاف، نقلناه كما وجدناه، ولعل معناه ما بيناه، أو يكون الضمير فى قوله: إنكاره عائداً على من (٦) نُسب إليه المِلْك أولاً كأبى هذا الرجل، فيكون إنكار المنسوب إليه الملك أولاً انتقال (٧) ملكه إلى هذا المدعى مانعاً من توجيه (٨) دعوى هذا المدعى على من فى يده الشىء المطلوب، إلا أن يثبت انتقال الملك.

قال القاضى: [قوله رحمه الله] (٩): " أو يكون من بيده الأرض سلم له ذلك "


(١) فى الأصل: لها، والمثبت من ت والمعلم.
(٢) ساقطة من ت.
(٣) فى الأصل: التبين، والمثبت من ت والمعلم.
(٤) فى الإكمال: وعده.
(٥) من المعلم.
(٦) فى الأصل: ما.
(٧) رسمت فى الأصل هكذا: بنتعال.
(٨) فى المعلم: توجه.
(٩) فى ت: رحمه الله قوله وفقه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>