للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يوجب عندنا فى الحكم شيئاً إلا رفع يدِ المسلِّم دون الحكم للمدَّعى، إذ قد يكون الأبُ حياً أو يكون له ورثة غير القائم، فكيف يحكم الحاكم بين اثنين فى مال ثالث قد أقرَّ الطالبُ أنه له أو يسمع دَعْوى فيه؟ ولعل الأب المعترف له لو كان حياً لا يطلب هذا المال أو يعترف أنه صيَّره لمن هو فى يده، فكيف وقد ورد فى هذا الحديث فى كتاب " أبى داود " ما يرفع هذا الإشكال، هو أن الحضرمى قال: " إن أرضى اغتصبنيها أبو هذا " (١) فغلب ذكر الأب، وفيه ذكر اليمين: " أحَلِّفُه أنه ما يعلمُ أنها أرضى اغتصبنيها أبوه ".

وقوله: " فيما يحتاج إليه هذا المدعى من إثبات موت أبيه وعدَّهُ ورثته " صحيح ويحتاج أيضاً إلى إثبات ملك الأب الذى ادّعى التصيير إليه من قبله، لما ادَّعى فيه أنه تصيَّر إليه.

وبقى فى هذا الحديث من استخراج نكت الفقه وسيرة القضاء مما لم يخرجه من ذكر مما ظهر لنا من بيان سيرة القضاء البدايةُ بالسماع من الطالب ثم السماع من المطلوب هل يقر أو ينكرُ - كما جاء فى الحديث - ثم طلب البينة من الطالب إذا أنكر المطلوب، ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب بيِّنةً، وأن الخصم إذا اعترف أن المُدعى فيه فى يد خصْمه استغنى باعترافه عن تكليف خصمه إثبات كون يده عليه لقول الحضرمى: " إن هذا غلبنى على أرض لى فقال الآخر (٢): أرضى فى يدى أزرعها " فلم يكلفه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثباتاً.

وفيه دليل على أن الزراعة يدٌ وحوزٌ، وفيه أَنَّ الرجل إذا رمى خصمه فى حال الخصومة بِجُرْحة أو خلة سوءٍ لمنفعةٍ يستخرجها فى خصامه، وإن كان فى ذلك أذى خَصْمه لم يعاقب إذا عُرِف صدقه فى ذلك، بخلاف لو قاله (٣) على سبيل المشاتمة والأذى المجرَّد (٤) وذلك إذا كان ما رماه به من نوع دعواه، وليُنبه بها على حال المدَّعى عليه، لقول الحضرمى: " إنه فاجرٌ لا يبالى ما حَلفَ عليه ولا يتورع من شىء "، ولم ينكر ذلك عليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا زجَرَه، ولو رمى خصْمَهُ بالغصب، وهو ممن لا يليق به، أُدِّب عندنا ولم تعْلقْ به الدعوى.


(١) ك الأيمان والنذور، ب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد عن الأشعث بن قيس ٢/ ١٩٨، وتمامه: وهى فى يده قال: " ألك بيَّنةٌ " قال: لا، ولكن أحلِّفهُ، والله ما يعلم أنها أرضى اغتصبنيها أبوه فتهيأ الكنْدى لليمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقتطع أحدٌ مالاً بيمين إلا لقى اللهَ وهو أجذَمُ ". فقال الكِندىُ: هى أرضه. ومعنى أجذم: أى مقطوع اليد، أو الحركة، أو الحجة.
وكذا أخرجه الترمذى فى الأحكام، ب ما جاء فى أن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ٣/ ٦١٦ عن علقمة بن وائل، كما أخرج النسائى جزءه الأخير فى السنن الكبرى، ك القضاء، ب من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه ٣/ ٤٩٢ عن معقل بن يسار.
(٢) فى ت: للآخر.
(٣) فى الأصل: قال.
(٤) قال القرطبى: " الجمهور على أدب من صدر منه شىء من ذلك لعموم تحريم السباب، وأجابوا عن الحديث بأن الكندى علم منه ذلك، أو أنه لم يقم بحقه، أو أنه لم يقصد إذايته، وإنما قصد استخراج حقه، فلعله إذا شنَّع عليه فقد ينزجر بذلك فيرجع إلى الحق ". المفهم ١/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>