للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شفقة على مسكين، وخوف من الله، ونيَّة صادقة فى عمل فاتَهُ، ويدلُ عليه قولهُ فى الكتاب فى حديث محمد بن المنهال الضرير وحديث المسْمَعى وابن المثنى (١) بأسانيدهم عن أنس: " يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان فى قلبه من الخير ما يزنُ كذا وكذا "، وكذلك فى حديث أبى الزبير عن جابر، وكذلك دليلُ حديث أبى سعيد الخدرى الحديث الطويل يقول الله تعالى: " شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضةً من النارِ فَيُخرِجُ منها قوماً لم يعملوا خيراً قط "، وقوله بعدُ فى حديث الحسن عن أنس وغيره: " لأخرجن من قال: لا إله إلا الله " فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه، وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ، إذ تلك أقل المقادير.

وقوله: " من كان فى قلبه كذا (٢) وكذا ": دليلٌ على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر (٣) له القلبُ وصحبته النيِّةُ، وفيه كله دليلٌ على القول بزيادة الإيمان ونقصه، وهو ما اختلف فيه السلفُ والخلفُ، ومذهب أهل السنة: [القول] (٤) بأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتوقف مالك مرَّة فى نقصانه، وقال مرَّة (٥): أما الكلمة فلا يعنى أنَّه ليس فيها زيادةٌ ولا نقصٌ، يعنى - والله أعلم - مجرد الإيمان والمعرفة، وإلى هذا ذهب من لم يقُل فيه بالنقص والزيادة.

وقوله: " فيقبض قبضة ": أى يجمعُ جماعةً.

وقوله: " غرَسْتُ كرامَتَهم بيدى ": هذا ومثله مما لا يجب حمله على الجارحة؛ لأنها لا تليق إلا لمخلوق محدود، والله [جل اسمه] (٦) متعال عن ذلك.

وقد اختلف أهل التأويل فى ذلك، فذهب بعضهم إلى أن اليد واليدين صفتان من صفات الله تعالى، علمناها من طريق السمع، ونَكِلُ علم تفسيرها إلى الله تعالى، وذهب بعضهم إلى تحميل اللفظ ما يحتمله من لغة العرب، فإن اليد تقع على القدرة وعلى النعمة وعلى الملك، لكن حملها على القدرة هنا بعيدٌ عند كثير منهم، إذ كل شىء،


(١) فى ت: مثنى.
(٢) فى الأصل: ذرَّة.
(٣) فى غير الأصل: أحصر.
(٤) من ق.
(٥) جاء فى المدارك: " أن غير واحد سمع مالكاً يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض، قال أبو القاسم: كان مالك يقول: الإيمان يزيد، وتوقف عن النقصان، وقال: ذكر الله زيادته فى غير موضع، فدع الكلام فى نقصانه، وكف عنه " المدارك: ٢٠٢، وجاء فى الانتقاء: " سئل مالك بن أنس عن الإيمان، فقال: قول وعمل. قيل: أيزيد وينقص؟ قال: قد ذكر الله - سبحانه - فى غير آى من القرآن أن الإيمان يزيد. قيل له: أينقص؟ قال: دع الكلام فى نقصانه وكف عنه. قيل: فبعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم " الانتقاء: ٣٢.
(٦) فى ق: تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>