للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقدرته لا يختصُ منه شىءٌ دون شىء، لكن لا يبعد أن يرد هذا ومثله فى كلام العرب على طريق التأكيد والبيان، أو يكون اختصاص هذا بالقدرة؛ لأنه خلقها ابتداءً دون وساطة بقدرته، وأوجدها دون معاناة غراسة بإرادته، وأنشأها بقوله: كن، بخلاف غيرها من الجنات التى فى الدنيا التى خلقها وأظهرها بوسائط ومقدِّمات وجعل لها غارساً وأسباباً ومَثاقِلَ، وكل بقدرته وإرادته، فخصَّ هذه بالقدرة لإبرازها بها دون واسطة، واستعار لذلك اسم الغراسة وأضافها إلى نفسه، إذ لم [يعلم] (١) لها غارسٌ سوى قدرته، ومثله يتأوَّل فى قوله فى آدم: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (٢)، وقوله فى الحديث: " خلقك الله بيده " (٣) أى ابتداء دون أب ولا أم، كما أجرى العادة فى خلق غيره، ونحوه قوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} (٤)، وقوله هنا: " خلقك الله بيده " يُبين أنه بمعنى قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأن اليَد واليدين هنا بمعنى واحد، فإن العرب تأتى بالجمع والتثنية كثيراً بمعنى الواحد. وأمَّا النعمة فقد أبعدها بعضهم فى مثل هذا - أيضاً - لا على تأويل أن يكون الباء بمعنى اللام أى لنعمتى، وهو هاهنا بين المعنى، أى لنعمتى التى أعددتها لهم وادّخرتها، ألا تراهُ كيف قال: " وختمت عليها ".

وقوله من رواية أبى كُريبٍ فى حديث المغيرة: " أن موسى سأل الله تعالى عن أخسّ أهل الجنة حظاً " كذا للرواة، ولأبى العباس الدلائى: " أحسن " وهو تصحيف والصواب الأول، كما قيل فى رواية قيس بن الحكم: " عن أدنى أهل الجنة منزلة " ثم قال آخر الحديث: " قال: ربّ، فأعلاهُم منزلةً ".

وقوله فى الذى تُعرض عليه صغارُ ذنوبه (٥)، ويقال: " لك بكل سيئة حسنةً " هو حجةٌ لمن قال: مثله فى الإيمان قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (٦)، فضلاً منه وَطوْلاً، وأكثر القول أن معنى الآية: تبديل أعمالهم السيئة [فى] (٧) الكفر بحسناتِ الإيمان.


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) ص: ٧٥.
(٣) فى أحاديث الشفاعة.
(٤) آل عمران: ٥٩.
(٥) فى رواية أبى ذر، ورواية الترمذى: " واخبئوا كبارها " صفة جهنم.
(٦) الفرقان: ٧٠، قال الحافظ ابن كثير: " فى معنى تلك الآية قولان: أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك فحوَّلهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وقال عطاء بن أبى رباح: هذا فى الدنيا، يكون الرجلُ على هيئة قبيحة، ثم يبدله الله بها خيراً، وقال الحسن البصرى: أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصاً، وأبدلهم بالفجور إحصاناً، وبالكفر إسلاماً. والقول الثانى: أن تلك السيئات الماضية تقلب بنفس التوبة حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم، واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوباً عليه لكنه لا يضره ويقلب حسنة فى صحيفته " ٦/ ١٣٦.
(٧) ساقطة من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>