للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: " يارب، قد عملتُ أشياءٌ لا أراها ها هنا " استكثاراً منه لفضل الله ولكثير حسناته، إذ علم أنه لا يؤاخذ بسيئةٍ، وأنها تُبَدل له حسنات.

وقوله: " فضحك حتى بدت نواجذُه "، قال الإمام: أى ضواحكه، والنواجذُ هنا الضواحك وليست بالنواجذ التى هى الأضراس لأن ضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان تبسُّمًا، قال الأصمعى: هى الأضراس، وفى حديث آخر: " إن الملكين قاعدان على ناجذى العبد يكتبان ". قال أبو العباس: النواجذ الأنياب، وهو أحسن ما قيل فى النواجذ؛ لأن فى الخبر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جُل ضحكه التبسُّم.

قال القاضى: هذا إن شاء الله هو الصواب، لأنه عبَّر عن أكثر ضحكه بالمبالغة فى كَشْر أسنانه حتى تبدو أنيابُهُ، إذ لا تبدو عند التبسم الخفيف الذى كان جل ضحكه، وإنما تبدُو منه الثنايا، وقد قال القاضى أبو عبد الله فى شرحه: إنه انفتح قُوة من الضحك حتى رأى آخر أضراسه من استقبله، وحمل النواجذَ هُنا على أسنان العقل، وهذا خلاف المعروف من ضحكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).

وقوله فى حديث جابر، وقد سُئل عن الورود، فقال: " نجىء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظُره - أى فوق الناس - قال: فتدعى الأمم بأوثانها ... " الحديث. هذا صُورة الحديث فى جميع النسخ، وفيه تغيير كثيرٌ وتصحيفٌ، وصوابُه: " نحن يوم القيامة على كوم " هكذا رَواهُ بعض أهل الحديث وفى كتاب ابن أبى خيثمة من طريق كعب بن مالك: " يُحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتى على تل ". وذكر الطبرى فى التفسير من حديث ابن عُمَر: " فيرقى هو - يعنى محمداً - وأمته على كوم فوق الناس " وذكر من حديث كعب بن مالك: " يُحشرُ الناسُ يوم القيامة، فأكون أنا وأمتى على تل " (٢)، فهذا كله يبينُ ما تغير من الحديث وأنه كأنه أظلم هذا الحرف على الراوى أو امحى عليه (٣) فَعَبَّر عنه بكذا وكذا، وفَسَّره بقوله، أى فوق الناس وكتب عليه انظر - تنبيهاً - فجمع النقلةُ الكُل ونسقُوه على أنه من متن الحديث كما تراه.

وقوله: " فيتجلى لهم يضحك "، قال الإمام: التجلى فى لسان العرب: الظهور، فيكون المعنى ها هنا: يظهر لهم، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للْجَبَلِ} (٤) معناه: ظهر، والضحك ذكرنا أنه يُعبَّرُ به عن الرضى وإظهار الرحمة، فيكوَن المعنى على هذا يظهر لهم وهو راضٍ، ويكون ذلك مجازاً خاطب به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [العرب] (٥) على ما اعتادت من لغتها.

قال القاضى: وقيل معنى " يضحك ": يُبَيّنُ ويبْدى لهم ما (٦) أخفى لهم من فضله ورحمته.


(١) وقد قال ابن العربى: النواجذ أحد أنواع الأسنان وهى ستة وثلاثون، أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وأربعة ضواحك، وتليها الطواحن، والأرحاء، وهى ستة عشر، ثم النواجذ وهى أربعة، أحدها ثنايا، والضواحك هى التى تبدو فى أول الضحك وتسميها العرب العارض. عارضة الأحوذى ١٠/ ٥٩.
(٢) هكذا أخرجه الطحاوى فى المشكل ١/ ٤٤٩.
(٣) قيدت أمامه فى الأصل: " بلغ مقابلة ولله الحمد "، وهى فى الأصل: له.
(٤) الأعراف: ١٤٣.
(٥) من ق.
(٦) فى الأصل: من.

<<  <  ج: ص:  >  >>