للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذلك اتفقوا على أن كل ما كان طريقه البلاغ فى القول (١) فإنهم معصومون فيه على كل حال، وما كان طريقه البلاغ فى الفعل فذهب بعضهم إلى العصمة فيه رأساً، وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه، وتأولوا أحاديث السهو وغيرها بما سنذكره فى موضعه، وهو مذهب الأستاذ أبى المظُفَّر الإسفرايينى (٢) من شيوخنا الخراسانيين من أئمة المتكلمين وغيره من مشايخ المتصوفة، وذهب معظم المحققين وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم، وهذا هو الحق، ثم لابُدَّ من تنبيههم عليه وذكرهم إياه، إما فى الحين على رأى جمهور المتكلمين، أو قبل وفاتهم على رأى بعضهم، ليسنوا حُكم ذلك ويُبيِّنوه قبل انخرام مُدَّتهم، وليصِحَّ تبليغُهُم ما أنزل إليهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لأنسى أو أُنَسَّى لأسُن " (٣).

وكذلك لا خِلاف أنهم معصومون من الصغائر التى تزرى بفاعلها وتحط منزلته وتُسقط مروءته. واختلفوا فى وقوع غيرها من الصغائر منهم، فمعظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف على جواز وقوعها منهم، وحجتهم ظواهر القرآن والأخبار. وذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر - من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا - إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، وأنَّ منصب النبوَّةِ يَجلُّ عن مواقعتها جملة ومخالفة الله عمداً، وتكلموا على الأحاديث (٤) الواردة فى ذلك وتأولوها، وأنَّ ما ذُكر عنهم من ذلك إنما هو ما كان منهم على تأويل أو سهوٍ أو غير إذن من الله فى أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها، وأشياء كانت منهم قبل النبوة.

وهذا هو الحق، لما قدَّمناه؛ ولأنه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم وإقرارهم (٥) وكثير من أقوالهم، ولا خلاف فى الاقتداء بذلك، وإنما اختلاف العلماء: هل ذلك على الوجوب أو على الندب أو الإباحة أو التفريق فيما كان من باب القُرَبِ أو غيرها؟ وقد بَسَطنا الكلام على هذا الباب فى كتاب الشفا، وبلغنا فيه المبلغ الذى لا يوجد فى غيره، وتكلمنا على الظواهر فى ذلك بما فيه كفاية (٦).

ولا يهُولنَّك أن ينسب (٧) قومٌ هذا المذهب إلى الخوارج والمعتزلة وطوائف من المبتدعة،


(١) فى ت: العقل.
(٢) يغلب على الظن أنه الإمام العلامة مفتى خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار، السمعانى، المروزى. توفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فإن لم يكن فشهفور بن طاهر بن محمد الإسفرايينى أبو المظفر، الإمام الأصولى الفقيه المفسِّر. المتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. راجع: طبقات السبكى ٥/ ٣٤٤، سير ١٩/ ١١٤.
(٣) مالك فى الموطأ، ك الصلاة، ب العمل فى السهو ١/ ٩١، وفى رواية محمد بن الحسن: " إنى لأنسى لأسن " ١/ ٣٣٩.
وهو أحد أحاديث أربعة لا توجد فى غير الموطأ، الثانى: " إذا نشأت بحرية " والثالث: " حسِّن خُلقَك للناس "، الرابع: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرى أعمار أمته قبله. الحديث. انظر: الاستذكار ١٠/ ٣٤٢.
(٤) فى ق: الآيات الأحاديث.
(٥) فى الأصل: وأقوالهم. وهو خطأ، يوضحه العبارة بعدها.
(٦) الشفا ٢/ ٧٩٧.
(٧) فى الأصل: نَصبَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>