للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى الحديث: " كافَّةً " كنبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون إدريس لقومه كموسى وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ وغيرهم، وقد استدل بعضهم على هذا بقوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} (١) وقد قيل: إن إلياس هو إدريسُ (٢)، وقد قرئ: " سلام على إدرَاسَين " (٣) وكذلك إن قيل: إن إدريس هو إلياس، وأنه كان نبياً من بنى إسرائيل، كما جاء فى بعض الأخبار مع يوشَع بن نونٍ (٤).

وإذا كان هذا فقد سقط الاعتراض. وبمثل هذا - أيضاً - يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما (٥) وإن كانا رسولين، فإنَّ آدم إنما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفاراً، بل أمِرَ بتعليمهم الإيمان والتوحيد وطاعة الله، وكذلك خَلفَهُ شيثٌ بعدَه فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار أهل الأرض. وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول ليسْلمَ من هذا الاعتراض، وحديث أبى ذرّ الطويل ينُص على أن آدم وإدريس رسولان.

وقوله: " ايتوا إبراهيم الذى اتخذه الله خليلاً ": أصل الخُلة الاختصاصُ والاستصفاء، وقيل: أصلها الانقطاع إلى من يخالِك، مأخوذ من الخلةِ وهى الحاجة فسُمّى، إبراهيمُ بذلك؛ لأنه قصر حاجته على ربه حين أتاه الملك وهو فى المنجنيق ليُرمى فى النار، فقال: لك حاجةٌ؟ قال: أمَّا إليك فلا (٦)، وقيل: الخُلة: صفاء المودة التى توجب تخلل الأسرار، وقيل: معناها: المحبةُ والإلطاف. وقال الشاعر:

قد تخللت موضعَ الرُوح منى ... ولذا سُمى الخليلُ خليلا

وقوله فى الحديث الآخر: " إنما كنتُ خليلاً من وراء وراء " (٧) إشارةٌ إلى تفضيل محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه حجةٌ على زيادة منزلة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى القرب على إبراهيم، وليس ذلك إلا بالرؤية والمناجاة - والله أعلم بقوله: " من وراء وراء" (٨). وذكر كذباته، وكانت كلها تعريضاً فى جنب الله، فتسميتُها كذبات دليلٌ لأهل السنة ومتكلميهم فى أنه لا يُشترطُ فى


(١) الصافات: ١٢٣، ١٢٤.
(٢) قائل هذا هو قتادة ومحمد بن إسحاق والضحاك، وأسنده ابن أبى حاتم إلى عبد الله بن مسعود. راجع: تفسير القرآن العظيم ٧/ ٣١.
(٣) فى ت: إدريس.
(٤) نقله الطبرى فى تفسيره عن وهب بن منبه ٢٣/ ٥٩.
(٥) فى ت: معهم.
(٦) هو قول لبعص السلف - كما ذكر الحافط ابن كثير - غير مسند، وأصح ما جاء فى هذا الأمر مسند هو ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن ابن عباس. {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم - عليه السلام - حين ألقى فى النار، وقالها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. البخارى فى ك التفسير ٦/ ٤٨.
(٧) حديث أبى هريرة وأبى مالك عن ربعىِّ عن حذيفة.
(٨) قلت: إما أن يكون المراد أنى متأخِّرٌ فيها عن غيرى، وإنما كمال الخلة بالمقام المحمود، أو أنها كلمة تذكر تواضعاً، أى لست بتلك الدرجة، حكاه صاحب التحرير، وقال: ووقع لى فيها معنى مليحٌ، وهو أن المكارم التى أعطيتُها إنما كانت بسفارة جبريل، وموسى سمع الكلام دون واسطة، ومحمد سمعه كذلك مع الرؤية، فأنا من وراء موسى الذى من وراء محمد - عليه السلام - إكمال الإكمال ١/ ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>