للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نبدأ بما بدأ الله به " (١) وأن الواو أتت هاهنا للترتيب، وإلى هذا ذهب من أصحابنا محمد بن سلمة وأبو مصعب (٢)، وحكاه عن أهل المدينة، وهو ظاهر إحدى روايتى علىِّ بن زيادٍ عن مالكٍ، وذهب معظم الصحابة والسلف: أن ذلك ليس بفرض، وهو مشهور قول مالك وهو قول الكوفيين وجماعة من العلماء، ومذهب مالك أن الترتيب سنة، وأصل الواو أنها لا تقتضى ترتيباً إِلَّا بقرينة من غيرها ودليلٍ سواها، فالواو لو كانت تقتضى الرتبة لا احتاج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُبيِّن البداية بالصفا، وأنَّ علتها التبرك بما بدأ الله به، وفعل النبى يدلُّ أنَّه سنة، لكن إنما يُرى عند (٣) مالك فى المفروض لا المسنون، فيجعله يُكرِّرُ ما قدَّم من الفروض دون المسنون ويغسل ما بعدَه فى القرب (٤).

واختلف فى البعد عندنا فى العامِدِ لذلك هل يُعيد الوضوءَ أو لا شىء عليه؟ وهل يُعيدُ ما صَلَّى أو لا؟ وفى الناسى هل يعيدُ ما قدَّم لا غير أم يعيده وما بعده؟ وكذلك لم يُذكر فى هذه الأحاديث مسح الأذنين، وفى طىِّ ذكرها دليلٌ لمالك أنهما من الرأس (٥)،


(١) أبو داود فى المناسك، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١٩٠٥)، ومالك فى الموطأ ك الحج، ب البدء بالصفا فى السعى (١٢٦).
(٢) هو الإمام الثقة شيخ دار الهجرة أبو مصعب أحمد بن أبى بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب، لازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه الموطأ، وأتقنه عنه، احتج به أصحاب الصحاح، وآخر شىء روى عن مالك من الموطآت موطأ أبى مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمى، وفى هذين الموطأين نحَوٌ من مائة حديث زائدة، وهما آخر ما روى عن مالك، وفى ذلك دليل على أنه كان يزيد فى الموطأ أحاديث كل وقت كان أغفلها ثم أثبتها. تذكرة الحفاظ ٢/ ٦٠، سير ١١/ ٤٧٢.
قال أبو مصعب: من لم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء. الاستذكار ٢/ ٦١.
(٣) فى الأصل: عنه.
(٤) الترتيب فى اللغة: هو جعل كل شىء فى مرتبته، واصطلاحاً: هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعض أجزائه نسبةٌ إلى البعض بالتقدم والتأخر. كشاف اصطلاحات الفنون ٢/ ٥٢٧.
والترتيب فى أعمال الوضوء فرض عند الشافعية والحنابلة لأنها وردت فى الآية مرتبة، قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]. ولأن إدخال الممسوح - وهو الرأس - بين المغسولات - يعنى الأيدى والأرجل - قرينة على أنه أريد به الترتيب، قالوا: فالعرب لا تقطع النظير عن النظير إِلَّا لفائدة، والفائدة هنا الترتيب.
قليوبى ١/ ٥٠، المغنى ١/ ١٣٧. وهو مذهب أبو عبيد القاسم بن سلام، وإسحاق بن راهويه، وأبى ثور.
وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم وجوب الترتيب فى الوضوء، بل هو سنة عندهم. ابن عابدين ١/ ٨٣، المنثور للزركشى.
(٥) ذهب مالك وأصحابه إلى أن الأذنين من الرأس، إِلَّا أنه يستأنف لهما ماءٌ جديدٌ سوى الماء الذى مسح به الرأس. وبذلك قال أحمد بن حنبل. وقال الشافعى كقول مالك، قال: يستأنفُ للأذنين الماءُ ولا يمسحان مع الرأس، إِلَّا أنه قال: هما سُنَّةٌ على حيالهما، لا من الوجه، ولا من الرأس، كالمضمضة والاستنثار.
واحتج مالك والشافعى بأن عبد الله بن عمر كان يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذى مسح به رأسه.
واحتج مالك والشافعى بإجماع القائلين بعموم مسح الرأس، إِلَّا أنه لا إعادة على من صلَّى ولم يمسح أذنيه، وبإجماع العلماء على أن الحاج لا يحلق ما عليهما من الشعر. =

<<  <  ج: ص:  >  >>