للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولأنها تتنجَّس من تكرار ذلك فيكون التمسح بها بعد من الاستجمار بالتنجس الذى لا يُطهَرُ ولا يُعفَى عنه؛ ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الاستنجاء بالرجيع (١) لأنه يُزيد الموضِع تنجسًا، ويُدخِل عليه نجاسةً من خارج غير ضروريَّةٍ ولا معفوّ عنها. وعلة النهى عن هذا إكرامًا للميامن، وتخصيصها بأعالى الجسم وأفعال العبادات والمكرمات والأكل والشرب والسلام، وتنزيهها عن مباشرة الأقذار والنجاسات والعورات. ومذهب مالك وعامَّةِ أهل العلم أن المستنجى بيمينه أساء واستنجاؤه جائز، ومذهب أهل الظاهر وبعض الشافعية إلى أن الاستنجاء باليمين لا يجزئ، لاقتضاء النهى فساد المنهى عنه، وهو أصل مختلف فيه عند أرباب الأصول (٢).

وقوله: " وأن يستجمر بأقل من ثلاثةِ أحجار " (٣)، قال الإمام: يحتج به من قال من أصحابنا: لا يقتصر على أقل من ثلاثةِ أحجار، وإن حصل الإنقاء بدونها، وهذا نحو ما ذكرنا من حجة من قال: تُغْسل اليد ثلاثًا قبل إدخالها فى الإناء وإن كانت نقيَّةً.

قال القاضى: قد تقدم من هذا شىء فى أول الباب، لكن فى حديث سلمان هذا من رواية ابن مثنى: " لا يستنجى أحدكم بدون ثلاثة أحجار "، وهو أقوى حجة للمخالف، وقد حمله شيوخنا على الندب لمبالغة النقاوة، ولأنه أكثر ما يستعمل غالبًا، وَقلَّ (٤) ما ينقى الواحد، أو لاستعمالها فى المخرجين، وللحديث الآخر من قوله: " فجئت بحجرين وروثة فاستنجى بالحجرين وألقى الروثة " وللحديث الآخر: " من فعل فقد


(١) أبو داود فى سننه، ك الطهارة، ب ما ينهى عنه أن يستنجى به ١/ ٩.
(٢) حكى الآمدى اتفاق الشافعية على أن النهى عن الفعل لا يدل على صحته، قال: ونقل أبو زيد عن محمد بن الحسن وأبى حنيفة أنهما قالا: يدلُّ على صحته. الأحكام ٢/ ١٧٩.
واختيار المحققين من علماء الأصول أن النهى إن كان في العبادات فسدت، كالنهى عن صوم يوم العيد، والنهى عن صوم أيام التشريق، فالصوم فيها يبطل، لأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بما ينهى عنه، ولأن العبادات تكليفات دينية تعلقت بها أوامر الله تعالى، فإذا تعلق مع ذلك بها نهيه فمعنى ذلك أن المؤدى غير المأمور به، وإلا كان الأمر والنهى واردين على محل واحد فيكون التناقض.
أما إذا كان النهى فى المعاملات فإنها لا تفسد، كالنهى عن البيع وقت النداء للجمعة، والنهى عن تلقى السلع فى الشراء؛ لأن العقود ونحوها من الأمور العادية التى ترتبط بمعاش الناس وأعمالهم الدنيوية، ولا يقصد منها التقربُ إلى الله تعالى، إنما هى من المباحات التى يتخيرها المكلف لصالح نفسه، فلو وقع العقد حال النهى ترتبت عليه آثاره، لأن الآثار تابعةٌ لتوافر الشروط والأركان، بخلاف العبادات فآثارها تابعة للقبول من الله تعالى، ولا يمكن أن يتحقق القبول مع النهى فى العبادات.
أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن النهى لا يقتضى الفساد، ما دام المنهى عنه قد استوفى شروط صحته وأركانه كاملة، فالنهى عن صوم يوم الشك لا يقتضى بطلان صومه بل يصح الصوم عنده مع الكراهة، والنهى عن صوم يوم العيدين وأيام التشريق لا يقتضى البطلان بل يصح الصوم مع التحريم. أصول الفقه: ١١٤.
(٣) فى المعلم: وأن يستجمر بثلاثة أحجار.
(٤) فى ت: أقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>