للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢ - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيُجٍ، حَدَّثَنِى

ــ

واختلف أصحابنا فى صفة رفعها، فقيل: قائمتان، كما جاء فى الأحاديث: " يمدُها مدًا "، وهو مذهب العراقيين من أصحابنا، وقيل: منتصبتان بطونهما إلى السماء. وذهب بعضهم إلى نصبهما قائمتين، لكن تكون أطراف الأصابع منحنيةً قليلاً، وقيل غير هذا. ثم اختلفت الرواية فى وقت رفعها من الدخول فى الصلاة، فجاء فى بعضها: " إذا كبَّر رفع يديه "، وفى بعضها. " إذا افتتح الصلاة " و " إذا قام للصلاة رفع يديه ثم يُكبِّر "، وهذا يشعر باستصحابها ومقارنتها، وجاء فى حديث مالك بن الحويرث: " كان إذا صلى كبر ثم رفع يديه "، وكلها يشعِر أن الرفع مع التكبير ومقارن له أو مقارب، حتى قد يمكن تقديم أحدهما أحيانًا على الآخر وقبل كماله لا على ما يفعله العامة من رفع الأيدى كذلك، وهى فى الدعاء والتوجه وتطويل ذلك، فذلك مكروه عند مالك (١) وأهل العلم وإن رخص فيه بعضهم عند الدعاء، فعلى غير هذه الصورة وبغير رفع، بل ببسط الأيدى وظهورها إلى السماء للرهب - كما جاء فى الحديث - ورخص بعضهم فى كون بطونها للسماء وقال: هذا الرغب، فيكون هذا وهما منخفضتان، فإذا أخذ فى التكبير رفعهما ثم أرسلهما.

ثم اختلف فى معنى الرفع، فقيل: استكانةٌ واستسلام وأنها صورة المستكين المستسلم، وكأن الأسير إذا غُلب مَدَّ يديه علامةً لاستسلامه، وقيل: استهوالٌ لما دخلَ فيه، وقيل: لتمام القيام، وقيل: إشارةٌ لطرح أمور الدنيا وراء ظهره، وإقباله بكليته على صلاتِه، ومناجاة ربه كما تضمنَّ ذلك قوله: الله أكبر، فيطابق فعله قوله، وقيل: إظهارٌ وإعلان بدخوله فى الصلاة عملاً كما أظهرها بالتكبير قولاً، وليراه من لم يسْمعه ممن يأتم به.

وهذه المعانى كلها مشاكلة لمن رأى رفعها منتصبةً وإلى أذنيه، وقيل: خُضوعًا ورهبًا، وهذه مطابقةً لصورة من نصبهما أو حنى أطرافهما. وقد قيل فى معناها غير هذا من الأقاويل، وأظهرها ما ذكرناه، وقد جاء فى الحديث من رواية يحيى بن اليمان: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبَّر للصلاة نشَر أصابِعَه " (٢)، قال الترمذى: أخطأ فى ذلك يحيى ومن قال. رفع يديه مدًا (٣).

وقوله: " كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم كبَّر ": حجة فى تعيين التكبير للإحرام، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (٤)، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى علَّمه


(١) المدونة ١/ ٦٨.
(٢) الترمذى فى الصلاة، ب ما جاء فى نشر الأصابع عند التكبير، وهو من رواية أبى هريرة رضى الله عنه ٢/ ٥، وقريباً منه ما ذكره ابن عبد البر عن الحسن البصرى قال. كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم فى الصلاة إذا ركعوا، وإذا رفعوا كأنها المراوح. الاستذكار ٤/ ١٠٥.
(٣) السابق ٢/ ٦.
(٤) البخارى فى الأذان، ب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة ١/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>