للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"حُبلَى"؛ لأنّ الألف والهاء زِيدَا لمعنى التأنيث، كما زيد حرفُ التثنية لمعنى التثنية، وصارا حرفَي إعراب كذلك في التثنية.

وقال أبو الحسن: ليست هذه الحروف حروفَ إعراب، ولا إعرابًا، لكنّها دليلُ الإعراب، فإذا رأيتَ الألف، علمتَ أنّ الاسم مرفوعٌ، وإذا رأيت الياء؛ علمت أنّ الاسم مجرورٌ أو منصوب. وإليه ذهب أبو العبّاس محمّد بن يزيد، واحتجّ بأنّها لو كانت حروفَ إعراب، لَمَا عرفتَ بها رفعًا من نصب، ولا جرٍّ، كما أنّك إذا سمعتَ دالَ "زيد"، لم تدلّ على رفع ولا نصب ولا جرّ، فلمّا دلّت على الإعراب، عُلم أنّها ليست حروفَ إعراب.

وهذا الاعتلالُ ليس بلازمٍ؛ لأنّه يجوز أن يكون الحرف من نفس الكلمة، ويفيد الإعرابَ. ألا ترى أنّا لا نختلف أن الأفعال المعتلّةَ الآخِر، نحوَ: "يَغْزُو"، و"يَرْمِي"، و"يَخْشَى" جزمُها بسقوطِ هذه الحروف منها، وذلك كقولك: "لم يَقْضِ"، و"لم يَغْزُ"، و"لم يَخْشَ". فإذا كان الإعرابُ قد يكون بحذفِ شيء من نفس الكلمة، جاز أن يكون بإثباته، ومن ذلك قولُك: "أبوك"، و"أخوك"، و"أباك"، و"أخاك"، و"أبيك"، و"أخيك"، فالواوُ قد أفادت الرفعَ، والألفُ قد أفادت النصب، والياءُ قد أفادت الجرّ، وهنّ حروفُ الإعراب بلا خلاف عندنا.

فإن قيل: فهلّا دلّ انقلابُ ألف التثنية إلى الياء في حال الجرّ، وإلى الواو في حال الرفع، أنّها ليست حروف إعراب، قيل: انقلابُها لا يُخْرِجها عن كونها حروفَ إعراب بعد أن قام الدليلُ على ذلك. ألا ترى أنّا لا نختلف في أنّ ألفَ "كِلَا" حرفُ الإعراب منها، وأنت مع ذلك تقلبها ياءً في النصب والجرّ، نحوَ قولك: "جاءني الزيدان كلاهما"، و"رأيتُهما كِلَيْهما"، و"مررت بهما كِلَيْهما"؟ ومن ذلك الأسماءُ المعتلّة، نحوُ: "أخوك"، و"أبوك"، وأخواتِهما، فإنّها تكون في الرفع واوًا، وفي النصب ألفًا، وفي الجرّ ياءً، ومع ذلك لا نختلف في أنّها حروفُ إعراب على ما سبق.

وأمّا قوله: إنّها ليست بإعرابٍ، فهو صحيحٌ، وهو مذهب سيبويه، وقيل: مذهبُ سيبويه أن الألف والياء في التثنية إعرابٌ، فالألف بمنزلة الضمّة، والياء بمنزلة الكسرة والفتحةِ. والأولُ المشهور من مذهبه. وقال أبو عمر الجَرميّ: الألفُ حرفُ إعراب كما قال سيبويه، وانقلابُها هو الإعراب. ولا يكاد ينفكّ من ضُعْف، وذلك أنّه يجعل الإعرابَ في الجرّ والنصب معنّى، لا لفظًا؛ لأنّ الانقلاب معنى؛ واللفظُ هو المقلوب، فيجعل إعرابَه في الرفع لفظًا لا معنًى. فخالف بين جهات الإعراب في اسم واحد، وذلك معدومُ النظير.

وكان الزِّياديّ والفرّاء يذهبان إلى أنّ الألف في التثنية إعرابٌ، وكذلك الياء. وقد تقدّم القول بأنّ الإعراب إذا أُزيل، لم يختلّ معنى الكلمة، وأنت متى أسقطتَ الألف أو الياء، اختلّ معنى التثنية، فعُلم بذلك أنّهما ليستا بإعراب. ويدل على أن الألف في التثنية

<<  <  ج: ص:  >  >>