ليست إعرابًا قولُهم:"مِذْرَوانِ"(١)، ألا ترى أنّ الألف لو كانت إعرابًا؛ لَوجب أن تنقلب الواوُ في "مِذْرَوان" ياءً, لأنّها رابعةٌ، وقد وقعتْ طرفًا كما قُلبت في "أغْزَيْتُ"، و"أدْعَيْتُ". ووجودُ هذه الألف في اسم العدد من نحوِ "اثنان" دليلٌ على أنّها ليست إعرابًا؛ لأن أسماء العدد كلَّها مبنية، نحوَ:"ثلاثهْ، أربعهْ، خمسهْ"؛ لأنها كالأصوات موقوفةُ الآخِر.
وأمّا الزيادة الثانية، وهي النون، فهي عوضٌ من الحركة والتنوين اللذَيْن كانا في الواحد، وذلك أن الاسم، بحُكْم الاسميّة والتمكُّنِ، تلزمه حركةٌ وتنوينٌ. فالحركةُ دليلُ كونه فاعلاً أو مفعولاً ونحوَهما من المعاني، والتنوينُ دليلُ كونه منصرفًا متمكّنًا. وأنتَ إذا ثنّيتَه بضمِّ غيره إليه، امتنع من الحركة والتنوين، ولم تُزِل التثنيةُ ما كان له بحقّ الاسمية والتمكُّن، فعُوِّض النون من الحركة والتنوين.
فإن قيل: فأنت تقول: "الرجلان" و"الزيدان"، فتُثْبِت النونَ مع الألف واللام، والتنوينُ لا يثبت مع الألف واللام، فلِمَ قلتم: إِنّ النون عوضٌ من الحركة والنون جميعًا؟ فالجواب أنّ النون دخلت قبل دخول الألف والسلام عوضًا من الحركة والتنوين، ثمّ دخلت الألف واللام للتعريف؛ لأنّ التثنية لا تصحّ مع بقاء تعريفه. ألا ترى أنّك لو رُمْتَ تثنية "الرجل" مع بقاءِ ما فيه من التعريف، لرُمْتَ مُحالاً؛ لأنّ "الرجل" معيَّنٌ مقصودٌ إليه، فإذا ثنّيناه، زال التعيينُ، وصار من أُمّةٍ كل واحد له مثلُ اسمه. وهذان معنيان متدافعان، فصحّ أنّك لمّا أردتَ تثنيتَه، نزعتَ عنه الألفَ واللام، حتى صار نكرةً، ودخلت النون عوضًا من الحركة والتنوينِ، ثمّ دخلت الألف واللام حينئذ للتعريف، ولم يُزيلا النونَ كما أزالا التنوينَ؛ لأنّ التنوين ساكنٌ زائلٌ في الوقف، والنون متحرّكةٌ ثابتةٌ في الوقف، فلم يقويا على حذفها. وإنّما كان المعوَّض نونًا من قِبَل أنّه كان ينبغي أن يكون أحدَ حروف المدّ واللِّين لِما تقدّم من خفّتها، ولو فعلوا ذلك، لزِمهم قلبُها أو حذفُها لاجتماعها مع ألف التثنية أو يائها. فلمّا كان يؤدّي إلى تغيير أحدها، عدلوا إلى أقرب الحروف شَبَهًا بها، وهي النون، فزيدت، وكانت ساكنة، وقبلها الألفُ أو الياءُ ساكنةً، فكُسرت لالتقاء الساكنين.
فإن قيل: ولِمَ حُرّكت النون لالتقاء الساكنين؟ وهلّا حُذفت الألف لذلك. فالجوابُ أنّه كان القياس حذفَ الألف لالتقاء الساكنين؛ لأنّ حرف المدّ إذا لَقِيَه ساكنٌ بعده، فإنّه يُحذف لالتقاء الساكنين؛ لأن حركةَ ما قبله تدل عليه، وذلك نحوُ:"لم يَخَفْ"، و"لم يَهَبْ"، و"لم يَقُلْ"، و"لم يَبعْ". والأصل: يَخَاف، ويَهاب، ويَقُول، ويَبِيع. وإنما لمّا سكن حروفُ الإعراب للجازم، التقى في آخِر الفعل ساكنان: حرفُ الإعراب، وما قبله من حروف المدّ، فحُذف حرفُ المدّ لالتقاء الساكنين. وإنّما امتنع حذفُ حرف التثنية،
(١) المذروان: طرفا الألْيَتين، وناحيتا الرأس مثل الفودين. (لسان العرب ١٤/ ٢٨٥ (ذرا)).