للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثالث: الإفراد، نحو قولك: "ما أحسن رأسَهما! " و"ضربتُ ظَهْرَ الزيدَيْن". قال الشاعر [من البسيط]:

٦٩٣ - كأنه وَجْهُ تُرْكِيَّيْن قد غَضِبَا ... [مُسْتَهدِفٌ لِطعانٍ غير مُنْجَحِرِ]

وذلك لوضوح المعنى، إذ كلُّ واحد له شيءٌ واحدٌ من هذا النوع، فلا يُشْكِل، فأتى بلفظ الإفراد، إذ كان أخفّ.

فإن كان ممّا في الجسد منه أكثرُ من واحد، نحو: "اليَد"، و"الرِّجْل"، فإنّك إذا ضممته إلى مثله، لم يكن فيه إلا التثنيةُ، نحو: "ما أبسطَ يَدَيْهما، وأخف رِجْلَيْهما! " لا يجوز غيرُ ذلك، فأمّا قوله تعالى: {وَاَلسَّارِقُ وَاَلسَارِقَةُ فَاَقْطَعوَأ أَيدِيَهُمَا} (١)، فإنّما جمع؛ لأنّ المراد الايْمانُ، وقد جاء في قراءة عبد الله بن مسعود {فاقطعوا أيْمانَهما}. وكذلك المنفصل من نحو"غلام"، و"ثوب"، إذا ضممت منه واحداً إلى واحد، لم يكن فيه إلا التثنية، نحو: "غلامَيْهما"، و"ثَوْبَيْهما" إذا كان لكلّ واحد غلامٌ وثوبٌ. ولا يجوز الجمعُ في مثلِ هذا؛ لأنه ممّا يُشْكِل ويُلْبس، إذ قد يجوز أن يكون لكلّ واحد غِلْمانٌ وأثوابٌ، وقد حكى بعضُهم: "وَضَعَا رِحالَهما"، كأنّهم شبّهوا المنفصل بالمتّصل، وهو قليل، فاعرفه.


٦٩٣ - التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ص ٣٧١ (طبعة الصاوي)؛ وخزانة الأدب ١/ ٥٣٢، ٥٣٨، ٥٤٠؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١٣/ ٢٦٦ (طعن).
اللغة: الهاء في "كأنه" يعود على الفرج الذي يصفه الفرزدق، وقد شبه هنا كلَّ فِلْقهٍ من هذا الفرج بوجه تركي، والأتراك غلاظ الوجوه عِراضها حمرها. الطعان: مصدر طعنه بالرمح. المنجحر: الداخل في الجحر.
المعنى: يريد أن فلقة من هذا الفرج تشبه- من حيث الاحمرار والغلظة والعرض- وجه أحد الأتراك
المشهورين بهذه الصفات، وخاصة إذا ما قُوبلوا بحرب أو شدّة فغضبوا.
الإعراب: "كأنّه": حرف مشبه بالفعل، والهاء: اسمه محله النصب. "وجه": خبر "كأنّ" مرفوع. "تركيين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. "قد": حرف تحقيق. "غضبا": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والألف: فاعل. "مستهدف": صفة لـ"وجه" مرفوعة مثله. "لطعان": جار ومجرور متعلقان بـ "مستهدفٌ"."غير": صفة ثانية لـ"وجه" مرفوعة مثله. "منجحرِ": مضاف إِليه مجرور.
جملة "كأنه وجه تركيين": صفة لـ"جهْم" في بيت سابق محلها الجر. جملة "غضبا": صفة لـ "تركيين" محلها الجر، وجعلها البغدادي حالاً مع أن صاحبه "تركيين" نكرة، والمعنى يؤيد البغدادي في ذلك، وأجاز بعضهم مجيء الحال من النكرة.
والشاهد فيه أنه إِذا أضيف الجزءان لفظًا ومعنًى إِلى متضمنيهما المتحدين بلفظ واحد، فلفظ الإفراد في المضاف أولى من لفظ التثنية كما في البيت، فإن "تركيين" متضمّنان، ولفظهما متحد لجزأيهما، وهما الوجهان، فإن كل وجه جزء منه فلما أُضيفَ إِليهما أضيف بلفظ المفرد، وهو الوجه، وهو أولى من أن يثني، فيقول: كأنه وجها تركيين، وجمعه أولى من الإِفراد فلو قال: كأنه وجوه تركيين كان أولى من وجه تركيين.
(١) المائدة: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>