قال الشارح: اعلم أنّ تكسير الصفة ضعيفٌ، والقياسُ جمعُها بالواو والنون. وإنّما ضعُف تكسيرها؛ لأنها تجري مجرى الفعل، وذلك أنّك إذا قلت:"زيدٌ ضاربٌ"، فمعناه: يَضْرِبُ، أو ضَرَبَ، إذا أردتَ الماضي، وإذا قلت:"مضروبٌ"؛ فمعناه: يُضْرَبُ، أو ضُرِبَ، ولأنّ الصفة في افتقارها إلى تقدم الموصوف، كالفعل في افتقاره إلى الفاعل.
والصفةُ مشتقة من المصدر كما أن الفعل كذلك، فلمّا قاربت الصفةُ الفعلَ هذه المقارَبةَ، جرت مجراه، فكان القياس أن لا تُجمع كما أنّ الأفعال لا تُجمع، فأمّا جمعُ السلامة، فإنّه يجري مجرى علامة الجمع من الفعل إذا قلت:"يَقُومُونَ"، و"يَضْرِبُونَ"، فأشبهَ قولُك:"قائمون": "يقومون". وجرى جمعُ السلامة في الصفة مجرى جمع الضمير في الفعل؛ لأنّه يكون على سلامة الفعل، فكل ما كان أقربَ إلى الفعل، كان من جمع التكسير أبعدَ، وكان البابُ فيه أن يُجمع جمعَ السلامة، لِما ذكرناه من أنّ "ضاربون"، و"مضروبون" يُشْبِه "يَضرِبون"، و"يُضْرَبون" من حيثُ سلامةُ الواحد في كل واحد منهما، وأن الواو للجمع والتذكير كما كانت في الفعل كذلك.
وقد تُكسَّر الصفة على ضُعْفٍ لغَلَبَة الاسميّة. وإذا كثُر استعمالُ الصفة مع الموصوف، قَوِيَت الوصفيّةُ، وقيل دخولُ التكسير فيها، وإذا قلّ استعمالُ الصفة مع الموصوف، وكثر إقامتُها مُقامه، غلبت الاسميّةُ عليها، وقوي التكسير فيها.
وتكسير الصفة على حد تكسير الاسم، وقولُه:"وأمثلهُ صفاته كأمثلة أسمائه"، يريدُ أن أبنية تكسير الصفة كأبنية تكسير الاسم. والضميرُ في قوله: و"أمثلةُ صفاته كأمثلة أسمائه" يعود إلى الاسم الثلاثيّ. والمرادُ أنّ تكسير الصفة، إذا كانت ثلاثيّة، كتكسير الاسم إذا كان ثلاثيًا، وأبنيةُ الثلاثيّ من الصفات سبعةُ أبنية:"فَعْلٌ" بفتح الأوّل وسكون الثاني، و"فِعْلٌ" بكسر الأوّل وسكون الثاني، و"فُعْلٌ" بضمّ الأوّل وسكون الثاني، و"فَعَلٌ" بفتحهما، و"فَعِلٌ" بفتح الأوّل وكسر الثاني، و"فَعُلٌ" بفتح الأوّل وضمّ الثاني، و"فُعُلٌ" بضمّهما.
فما كان من الأوّل، وهو "فَعْل"، فتكسيره على "فِعَالٍ"، قالوا:"صَعْبٌ"، و"صِعابٌ"، و"فَسْلٌ"، و"فِسالٌ"، و"خَذلٌ"، و"خِدالٌ". والفسلُ: الرَّذْلُ، والخدلُ: الممتلىءُ. هذا هو الغالب المطرد، وإنما جاء على "فُعُولٍ". قالوا:"كَهْلٌ"، و"كُهُولٌ"، دخلت "فُعُولٌ" على "فِعَالٍ" هنا على حد دخولها عليها في الأسماء، نحوِ:"كَعْبٍ"، و"كِعابٍ"، و"كُعُوبٍ"، إلّا أنها في الاسم أقعدُ منها في التكسير، فكان التوسعُ فيها أكثر، وقد جاء على "فُعُلٍ" أيضًا. قالوا:"رجلٌ كَثُّ اللِّحْيَة"، و"قومٌ كُثٌّ"، وقالوا:"رجلٌ ثَطٌّ، للكَوْسَج، و"قومٌ ثُطٌّ"، و"ثَوْبٌ سَحْلٌ"، و"ثيابٌ سُحُلٌ" وهو الأبيض، وقالوا: "فرسٌ وَرْدٌ"، و"خَيْلٌ وُرْدٌ"، وهو قليل. وربّما قالوا: "كِثاثٌ"، و"ثِطاطٌ"، و"وِرادٌ" على القياس، وقالوا: سَمْحٌ، و"سُمَحاءُ"، فجاؤوا به على معناه؛ لأنّه في معنى اسم الفاعل