فجاء على "عَالِم"، و"عُلَماءَ"، و"صالِحٍ"، و"صُلَحاءَ"، وما أقربَه من "المَذاكِير"، و"المَلامِحِ"، كأنّه جاء على غير المستعمل
ولا يُكسَّر القليل على "أفْعُلَ"، فلا يُقال في "صَعْبٍ": "أصْعُبٌ" ولا في "فَسْلٍ": "أفْسُلٌ"، كما قالوا في الاسم:"أكْعُبٌ"، و"أفْلُسٌ"، وذلك أنّ الغرض من المجيء بأبنية القلّة أنّ تُضاف أسماءُ أدنى العدد إليها من نحو:"ثلاثةُ أثوابٍ"، و"خمسةُ أكْلُبٍ"، وأنت لا تضيف إلى الصفة؛ لأنّ الغرض بيانُ نوع المعدود، ولا يحصل ذلك بالإضافة إلى الصفة. ألا ترى أنك إذا قلت:"ثلاثةُ طِوالٍ" مَثَلًا، لم يدلّ على نوع دون نوع, لأنّ الطُّول يشترِك فيه أنواعٌ كثيرةٌ. فلمّا كان كذلك، لم يُحْتَج إلى أمثلة القلّة في الصفات، فإذا احتيج إلى ذلك؛ جمعوه جمعَ السلامة يقع للقليل، فاستغنوا به.
وقد كسّروا بعض الصفات تكسيرَ الأسماء، فجاؤوا بها على "أفْعُلَ". قالوا:"عبدٌ"، و"أعْبُدٌ"، و"عَبِيدٌ"، كما قالوا:"كَلْبٌ"، و"أكْلُبٌ"، و"كَلِيبٌ"، وقالوا:"شَيْخٌ"، و"أشْياخٌ"، كما قالوا:"بَيْتٌ"، و"أبْياتٌ". وقالوا:"عِلْجٌ"، و"عِلَجَةٌ"، و"أعْلاجٌ"، كما قالوا:"أجْذاعٌ" في "جِذْعٍ". وقالوا:"شِيخانٌ" و"ضِيفانٌ" على حدّ "رَألٍ" و"رِئْلانٍ". وقالوا:"شِيَخَةٌ" كما قالوا: "زِوَجَةٌ"، و"عِوَدَةٌ" في الاسم، وقالوا:"وَغْدٌ"، و"وُغْدانٌ" بالضمّ على زنةِ "فُعْلانَ"، كما قالوا:"ظَهْرٌ"، و"ظُهْرانٌ". وقالوا:"وِغْدانٌ" بكسر الفاء كما قالوا: "جَحْشٌ" و"جِحْشانٌ"، و"عَبْدٌ"، و"عِبْدانٌ"، فجاءت أمثلتُه على تسعةِ أبنية، منها بناءٌ واحدٌ مطّردٌ، وهو "فِعالٌ"، والبواقي شاذّةٌ تُسمَع ولا يُقاس عليها. وبعضُها أكثرُ من بعض، وذلك لأنّهم أجروها مجرى الأسماء، ألا ترى أنّهم لا يكادون يستعملونها مع موصوفاتها، فلا يقولون:"رجلٌ عبدٌ"، ولا "رجلٌ شيخٌ"، ولو سمّيت رجلًا بصفة، لكان حكمُها حكمَ الأسماء.
وأمّا الثاني: وهو "فِعْلٌ"، فإنّه يكسّر على "أفْعالٍ"، نحوِ:"جِلْفٍ"، و"أجْلافٍ"، والجِلْفُ: الشاة المسلوخة بلا رأسٍ ولا قوائمَ. وقالوا:"نِضْوٌ"، و"أنْضاءٌ"، وهو المهزول، وحكى أبو زيد:"خِلْوٌ" بالكسر، و"أخْلاءٌ"، جعلوا "أفْعالًا" هنا بدلاً من "فُعُولٍ" و"فِعَالٍ". ولذلك لا يجيء معهما، فلا يُقال:"أجْلافٌ"، و"جُلُوفٌ"، ولا "جِلافٌ". وقال بعضهم:"أجْلُفٌ"، كما قالوا:"أذْؤُبٌ"، أجروه مجرى الأسماء، وقالوا:"رجلٌ صِنْعٌ"، و"قَوْمٌ صِنْعُونَ"، لم يجاوزوا ذلك. والصِّنْعُ: الحاذق. وليس شيءٌ من هذه الصفات يمتنع من الجمع بالواو والنون.
وأمّا الثالث: وهو "فُعْلٌ"، بضمّ الفاء وسكون العين، فهو مثلُ "فِعْلٍ" المكسورِ الفاء في القلّة، قالوا:"رجلٌ حُلْوٌ"، و"قومٌ حُلْوُونَ"، وقالوا:"مُرٌّ"، و"أمْرارٌ"، و"حُرٌّ"، و"أحْرارٌ،" كما قالوا: "جِلْفٌ"، و"أجْلافٌ"؛ لأنّ "فِعْلًا"، و"فُعْلًا" قد يشتركان في "أفْعالٍ". وقالوا:"رجلٌ جُدٌّ" لذي الحَظّ، و"رجالٌ جُدُّونَ"، لم يجاوزوا فيه الواو