للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"الثُّبَة": الجماعة من قوله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} (١)، وأصلُ "ثُبَةٍ": ثُبْوَةٌ، كـ"ظُلْمَةٍ"، و"غُرْفَةٍ". وقد بينتُ أمره في أوّلِ هذا الفصل، هو من قولهم: "ثَبَّيْتُ"، أي: جمعتُ، فهذا يدلُّ أنّ اللام حرفُ علّة، ولا يدلّ أنّه من الواو والياء؛ لأنّ الواو إذا وقعت رابعة، تُقلَب ياءً، نحوَ "أعْطَيْتُ"، و"أرْضَيْتُ"، وهو من "عَطا يَعْطُو"، و"الرِّضْوانِ". وإنّما قلنا: إنها من الواو, لأنّ أكثرَ ما حُذف لامه من الواو، نحوَ: "أخٍ"، و"أبٍ".

وأما "البُرَةُ"، فأصلُها: "بروة"، واللامُ محذوفة، و"البرةُ": حَلْقة تُجعَل في أنف البعير لينقادَ، وهي معتلّةُ اللام؛ لقولهم في جمعها "بُرَى". وينبغي أن يكون المحذوف واوًا حملًا على الأكثر. و"كُرَةٌ" كذلك لقولهم: "كَرَوْتُ بالكُرَة". و"سَنَةٌ" من الواو لقولهم "سَنَواتٌ"، ومن قال: "سانَهْتُه"، كان المحذوف منه الهاءَ، والهاءُ مشبّهةٌ بحرف العلّة، فحُذفت كحذفه.

وأمّا "مِئَةٌ"، فأصلُها "مِئْيَةٌ" بالياء؛ لقولهم: "أمْأيْتُ الدراهمَ" إذا كمّلتَها مائة، وقالوا في معنى مائةٍ: "مأَى". وهذا قاطعٌ على أنّه من الياء. فإذا أُريد جمعُ شيء من ذلك، كان بالألف والتاء، نحوَ: "قُلاتٍ"، و"ثُبات"، و"بُرات"، و"كُرات"، و"مِئات". هذا هو الوجه في جمعها؛ لأنّها أسماءٌ مؤنّثةٌ بالتاء، فكان حكمها في الجمع حكمَ "قَصْعَةٍ"، و"جَفْنَةٍ"، ولم يكسّروها علي بناء يردّ المحذوفَ، فيكون نقضًا للغرض، وتراجُعًا عمّا اعتزمه فيها، فلذلك وجب جمعُها بالألف والتاء.

وقد يجمعون ذلك بالواو والنون، فيقولون: "قُلُونَ"، و"بُرُونَ"، و"ثُبُونَ"، و"سِنُونَ"، و"مِئُونَ"، ونحوَ ذلك، كما يجمعون المذكر ممّن يعقل من نحو: "المسلمين"، و"الصالحين"، كأنّهم جعلوا جمعه بالواو والنون عوضًا ممّا مُنعه من جمع التكسير.

ومنهم من يكسر أوّلَ هذه الأسماء، فيقولون: "قِلُونَ"، و"ثِبُونَ"، و"سِنُونَ". وإنّما فعلوا ذلك للإيذان بأنّه خارجٌ عن قياسِ نظائره؛ لأنّه ليس في الأسماء المؤنّثة غيرِ المنتقص منها ما يُجمع بالواو والنون، وقد قال بعضهم في "مِئُونَ": إنّ الكسرة في الجمع غيرُ الكسرة في الواحد، كما أنّ الضمّة في قولهم: "يا مَنْصُ" في لغةِ من قال: "يا حارُ" بالضمّ، غيرُ التي كانت في "مَنْصُورٍ". وقال أبو عمر الجَرْميّ: إِن الجمع بالألف والتاء للقليل، وبالواو والنون للكثير، فيقولون: "هذه ثباتٌ قليلةٌ"، و"ثُبُونَ كثيرةٌ". ولا أرى لذلك أصلًا، وكأن الذي حمله على ذلك أنّهم إذا صغروه، لم يكن إلّا بالألف والتاء، نحوَ: "سُنَيّاتٍ"، و"قُلَيّات"، و"ثُبَيات"، وإنّما ذلك لأنّه إذا صُغّر، يُرَدّ إليه المحذوف، فيصير كالتامّ، فيُجمع بالألف والتاء كما يُجمع التامّ.

وقد يجمعون من ذلك بالألف والتاء ما لا يجمعونه بالواو والنون، قالوا: "ظُباتٌ"،


(١) النساء:٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>