للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا نَصٌّ في محلّ النِّزاع، إذ لو كان جمعًا مكسّرًا، لرُدّ إلى الواحد. فأمّا قول أبي الحسن: "رُوَيْكِبُونَ"، فهو شيء يقوله على مقتضى قياسِ مذهبه، والمسموع غيره.

الثاني: أنّ الجمع المكسّر مؤنّثٌ، وهذه الأسماء مذكرةٌ، تقول: "هو الرَّكْبُ"، و"هذا السَّفْرُ"، و"هو الجاملُ، والباقِرُ، والأَدَمُ، والعَمَدُ"، ونحو ذلك، ولو كان مكسّرًا، لقلت: هِيَ، وهذِهِ.

الثالث: أن "فَعْلًا" لا يكون جمعًا مكسّرًا لـ"فاعل"، ونحوه؛ لأنّ الجمع المكسّر حقُّه أن يزيد على لفظ الواحد، وهذا أخفُّ من بناء الواحد؛ فلا يكون جمعًا مكسّرًا.

فإن قلت: فأنتم تقولون: "إزارٌ"، و"أُزُرٌ"، و"جِدارٌ"، و"جُدُرٌ"، وهو عندكم تكسيرٌ، وهو أنقصُ من لفظ الواحد، قيل: "فُعُلٌ" هنا منتقصٌ من "فُعُولٍ"، والأصلُ "أُزُورٌ" و"جُدُورٌ"، وإنّما خُفّف بحذف الواو منه.

الرابع: أن هذه الأبنية لو كانت جمعًا صِناعيًّا، لا طرد ذلك فيما كان مثله، وأنت لا تقول في "جالِسٍ": "جَلْسٌ"، ولا في "كاتِبٍ": "كَتْبٌ"، فثبت بما ذكرناه أنّه اسم مفرد دالّ على الجمع، وليس بجمع على الحقيقة. فمن ذلك قولهم: "راكبٌ"، و"رَكْبٌ"، فالراكبُ يقال لراكب البعير خاصّة، فإذا كان على ذي حافرٍ: فرسٍ أو حمارٍ، قيل: "فارسٌ"، وقيل: لا يقال لراكب الحمار: فارسٌ، وإنّما يقال له حَمّارٌ. والرَّكْبُ: أصحابُ الإبل في السفر خاصّة من العشرة فما فوقها، وأمّا السَّفْر فالجماعة المسافرون، والواحدُ "سافِرٌ"، مثلُ "صاحِبِ" و"صَحْب"، يقال: سَفَرْتُ أسْفِرُ سُفُورًا إذا خرجتَ إلى السفر، فأنا سافِرٌ، وقد كثُرت اَلسافِرَةُ، أيَ: المُسافِرون.

ومنه "أَدِيمٌ"، و"أَدَمٌ"، و"عَمُودٌ"، و"عَمَدٌ"، فأمّا الأديمُ (١) فالجِلْدُ المدبوغ، والعَمُود: عمودُ البيت. فالأَدَمُ بالفتح والعَمَدُ اسما جنس، وليس بتكسير؛ يدلّ على ذلك ما تقدّم من تصغيره على لفظه، وتذكيره، وعدمِ اطّراده، فتقول: "هو الأدم والعمد"، و"أُدَيْمٌ"، و"عُمَيْدٌ"، ولم يقولوا: "أُدَيِّمٌ"، ولا "عُمَيِّدٌ".

ومن ذلك قولهم: "حَلَقٌ"، و"خَدَمٌ"، وهما جنسٌ، وليس بتكسير لِما ذكرناه، فالحَلَقُ جنسٌ، والواحد "حَلَقَةٌ" بالتحريك، وهي حلقةُ الباب والأذُنِ. وقد أنكر بعضُهم


= والألف: للإطلاق. "أخشى": فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. "ركيبًا": مفعول به منصوب بالفتحة. "أو": حرف عطف. "رجيلًا": اسم معطوف على منصوب، منصوب، مثله. "عاديا": صفة منصوبة بالفتحة، وسكنت لضرورة الشعر.
وجملة "بنيته": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "أخشى": حالية محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: "ركيبًا" حيث جاء مصغرًا على لفظه وهذا دليل على كونه اسمًا للجمع، بخلاف من قال: إنه جمع تكسير.
(١) في الطبعتين. "الأدم"، والتصحيح عن جدول التصويبات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>