للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التانيثُ. وأمرٌ آخرُ أنّ مدلولها الحَدَثُ، وهي مشتّقةٌ منه، والحدثُ جنسٌ مذكّرٌ، ولذلك قال سيبويه: لو سُمّيت امرأةٌ بـ "نِعْمَ"، و"بِئْسَ"، لانْصَرَفَا؛ لأنّ الأفعال مذكّرةٌ.

فأمّا لَحاق العلامة بها من نحو: "قامت هندٌ"، و"قعدتْ سُعادُ"، فلتأنيث الفاعل لا لتأنيثها في نفسها، وهذا أحدُ ما يدلّ أنّ الفاعل كجُزء من الفعل، وذلك أنّ الأصل، إذا أريد تأنيثُ كلمة، أن يلحق عَلَمُ التأنيث تلك الكلمةَ، فأمّا لحاقُ العلامة بكلمة والمرادُ غيرها، فلا، فدلّ ذلك على أنّ الفعل والفاعل كجزء واحد.

وأمّا الحروف؛ فلأنّها لا تدلّ على معنى تحتها، وإنّما تجيء لمعنى في الاسم والفعل؛ فهي لذلك في تقدير الجزء من الاسم والفعل، وجزء الشيء لا يؤنّث. وقد جاء منها ثلاثةُ أحرف، وهي "لا"، و"ثُمَّ"، و"رُبَّ"، على التشبيه بالفعل، إذ كانت تكون عاملةً.

وعلامات التأنيث ثلاثةٌ على ما ذكر: التاء، والألف، والياء، وقد أضاف غيرُه الكسرة، في نحو: "فَعَلْتِ يا امرأةُ"، فصارت العلامات أربعةً. فأمّا التاء، فتكون علامةً للتأنيث تلحَق الفعلَ، والمراد تأنيثُ الفاعل على ما ذكرنا في نحو: "قامت هندٌ"، و"قعدت جُمْلُ". وهذه التاء إذا لحقتِ الأفعالَ، كانت ثابتةً لا تنقلب في الوقف، نحو: "قامتْ هندٌ"، و"هندٌ قامتْ". وإذا لحقت الاسمَ، نحو: "قائمة"، و"قاعدة"، أُبْدل منها الهاء في الوقف، فتقول: "هذه قائمة، وقاعدهْ".

وفي هذه التاء مذهبان: أحدُهما: وهو مذهبُ البصريين- أنّ التاء الأصلُ، والهاء بدلٌ منها، والثاني -وهو مذهب الكوفيين- أنّ الهاء هي الأصل. والحقُّ الأوّل، والدليلُ على ذلك أنّ الوصل ممّا تجري فيه الأشياء على أصولها، والوقف من مواضع التغيير. ألا ترى أنّ من قال في الوقف: "هذا بَكُرْ"، و"مررت ببَكِرْ"، فنقل الضمّة والكسرةَ إلى الكاف، فإنّه إذا وصل، عاد إلى الأصل من إسكان الكاف، وكذلك من قال في الوقف: "هذا خالِدٌ" فضاعف، فإنّه إذا وصل لا يفعل ذلك، بل يخفّف الدال، على أنّ من العرب من يُجْرِي الوقف مجرى الوصل، فيقول: "هذا طَلْحَتْ"، و"عليكم السلام والرحمتْ" وقال [من الرجز]:

بل جَوْزِ تَيْهاءَ كَظَفرِ الحَجَفَتْ (١)

وأنشد قُطْرُبٌ [من الرجز]:

٧٩٢ - الله نَجّاكَ بكَفَّي مُسْلِمَتْ ... من بَعْدِما وبَعْدِما وبَعْدِمَتْ

صارت نُفوسُ القَوْمِ عندَ الغَلْصَمَتْ ... وكادتِ الحُرَّةُ أنّ تُدْعَى أَمَتْ


(١) تقدم بالرقم ٣٤٤.
٧٩٢ - التخريج: الرجز لأبي النجم الراجز في الدرر ٦/ ٢٣٠؛ وشرح التصريح ٢/ ٣٤٤؛ ولسان العرب ١٥/ ٤٧٢ (ما)؛ ومجالس ثعلب ١/ ٣٢٦؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ١١٣؛ وأوضح المسالك ٤/ ٣٤٨؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٧٧، ٧/ ٣٣٣؛ والخصائص ١/ ١٦٠، ١٦٣، ٢/ ٥٦٣؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>