للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"الذِّكرَى" و"صَحْراءَ"، و"عَذراءَ"، و"غُرْفَةٍ"، و"ظُلْمَةٍ". وذلك يكون بالاصطلاح ووَضْع الواضع، فـ "البشرى"، و"الذكرى"، مؤنّثان بأن دخل عليهما ألفُ التأنيث المقصورةُ. و"صحراء"، و"عذراء"، ونحوهما مؤنثان بالألف الممدودة، و"غرفة"، و"ظلمة"، مؤنّثان بالتاء، و"نَعْلٌ"، و"قِدْرٌ ونحوهما من مثل "شَمسٍ" و"فَرَسٍ"، و"هِنْدٍ"، و"جُمْل"، علامةُ التأنيث فيها مقدّرةٌ، يدل على ذلك ظهورُها في التّصغير، نحو: "نُعَيْلَةٍ"، و"قُدَيْرَةٍ".

واعلم أنّ التأنيث الحقيقىّ أقوى من التأنيث اللفظيّ؛ لأنّ المؤنّث الحقيقيّ يكون تأنيثُه من جهة اللفظ والمعنى من حيث كان مدلولُه مؤنّثًا. وغيرُ الحقيقيّ شيء يختصّ باللفظ من غيرِ أن يدلّ على معنى مؤنّث تحته، فكان التأنيث المعنويّ أقوى لِما ذكرناه. ويلزم فعلَه علامةُ التأنيث في نحو: "قامت المرأة"، و"ذهبت الجاريةُ"، فتلحَق التاء الفعلَ للإيذان بأنّ فاعله مؤنّثٌ، كما تلحَقه علامةُ التثنية والجمع في نحو: "قاما أخواك"، و"قاموا إخوَتُك" للإيذان بعَدَد الفاعلين.

فإن قيل: الاختيار "قام أخواك"، و"قام إخْوَتُك"، فما بالُك توجب إلحاقَ العلامة في المؤنّث، نحو: "قامت هندٌ فالجواب: أنّ الفرق بينهما أنّ التأنيث معنى لازمٌ لا يصحّ انتقالُه عنه إلى غيره، وليس كذلك التثنية والجمع، فإنّهما غيرُ لازمَيْن، إذ الاثنان قد يُفارِق أحدُهما الآخرَ، فيصير واحدًا، ويزيدان، فيصيران جمعًا. وكذلك الجمع، قد ينقص فيصير تثنيةً، وليس التأنيث كذلك، فللزومِ معنى التأنيث؛ لزمت علامتُه، ولعدم لزوم معنى التثنية والجمع؛ لم تلزم علامتُهما.

فإن فصل بينهما فاصلٌ من مفعول أو ظرف أو جارّ ومجرور، جارّ سقوطُ علم التأنيث، نحو قولهم: "حَضَرَ القاضِيَ اليومَ امرأةٌ"، لمّا فصل بالظرف والمفعول؛ حسن تركُ العلامة؛ لأن الفاصل سَدَّ مَسَدَّ علم التأنيث مع الاعتماد على دلالة الفاعل على التأنيث، فأمّا قول جَرِير [من الوافر]:

لقد وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ ... على بابِ اسْتِها صُلْبٌ وشَامُ

الشاهد فيه إسقاط علم التأنيث من الفعل مع كون تأنيث الفاعل حقيقيًا لوجود الفصل بالمفعول. يهجوه بذلك؛ و"الصُّلْبُ" جمع "صَلِيبٍ وأصله: "صُلُبٌ مثل: "كَثِيبٍ"، و"كُثُبٍ". وإنّما الإسكانُ لضرب من التخفيف. و"الشامُ" جمعُ "شَامَةٍ" يُعلِمه أنّه عارفٌ بذلك المكان منها، ومثلُه قول الآخر [من البسيط]:

٧٩٥ - إن امْرَأً غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ ... بَعْدي وبَعْدكِ في الدنيا لَمغْرُورُ


٧٩٥ - التخريج: البيت بلا نسبة في الإنصاف ١/ ١٧٤؛ وتخليص الشواهد ص ٤٨١؛ والخصائص ٢/ ٤١٤؛ والدرر ٦/ ٢٧١؛ وشرح الأشموني ١/ ١٧٣؛ ولسان العرب ٥/ ١١ (غرر)؛ واللمع ص ١١٦؛ والمقاصد النحويَّة ٢/ ٤٧٦؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>