للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ذلك على معنى "حَاضَتْ"، و"انْفَطَرَتْ"، إذ لو أريد ذلك، لأتوا بالتاء، وقالوا: "حائضةٌ غَدًا وطالِقَةٌ غدًا"؛ لأنّه شيءٌ لم يثبت، وإنّما هو إخبارٌ على طريق الفعل، كأنّك قلت: "تحيض غدًا، وتَطْلُق غدًا" ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} (١) وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} (٢) وقول الشاعر [من الطويل]:

٨٠٦ - رأيتُ ختونَ (٣) العامِ والعامُ قبلَهُ ... كحائِضَةٍ يَزْنِي بها غيرُ طاهِرِ

وذلك كلّه يجري على الفعل على تقديرِ "حاضَتْ"، و"طلُقتْ"، هذا مذهب الخليل. وسيبويه يتأوّل على أنّه صفةُ شَيءٍ أو إنْسَانٍ، والشَّيْء مذكّرٌ، فكأنّهم قالوا: "شيءٌ حائضٌ"؛ لأنّ الشيء عامٌّ يقع على المذكّر والمؤنّث. واحتجّ الخليلُ بأنّه قد جاء فيما لا يختصّ بالمؤنّث، نحو: "جَمَلٍ بازلٍ"، و"ناقةٍ بازلٍ" ووجدناهم قد وصفوا بأشياء لا فِعْلَ لها، نحو: "دارعٍ"، و"نابلٍ"، ولا وجهَ له إلّا النسبُ، فحملوا عليه "حائضًا"، و"طالِقًا"، ونحوَهما، وكأنّ المعنى ساعَدَ عليه. وأمّا سيبويه، فاحتجّ بأنّه لمّا ورد ذلك فيما يشترِك فيه المذكّرُ والمؤنّث؛ كان الحمل على المعنى مَهْيَعًا مُعبَّدًا، نحو قوله [من السريع]:

٨٠٧ - قامَتْ تُبَكِّيهِ على قَبْرِهِ ... مَنْ لِيَ مِنْ بَعْدِكَ يا عامِرُ

تَرَكْتَنِي في الدار ذَا غُرْبَةٍ ... قد ذَلَّ مَن ليس له ناصِرُ


(١) الحج: ٢.
(٢) الأنبياء: ٨١.
٨٠٦ - التخريج: البيت بلا نسبة في لسان العرب ٧/ ١٤٢ (حيض)، ١٣/ ١٣٨ (ختن).
اللغة: الحائضة والحائض: المرأة في مدة الحيض. غير طاهر: في حالة الجنابة، غير مغتسل. الختون والختونة: المصاهرة.
الإعراب: "رأيت": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "ختون": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "العام": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "والعام": الواو: حرف عطف، "العام": اسم معطوف على سابقه مجرور بالكسرة. "قبله": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بحال من "العام"، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "كحائضة": الكاف: اسم بمعنى مثل مبني في محلّ نصب مفعول به ثانٍ لرأيت، وهو مضاف، "حائضة": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "يزني": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء للثقل. "بها": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "يزني"."غير": فاعل مرفوع بالضمّة، وهو مضاف. "طاهر": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "رأيت": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يزني": في محلّ جرّ صفة للحائضة.
والشاهد فيه توله: "كحائضة" حيث ألحق بالوصف تاء التأنيث، وهي وصف خاصّ بالمؤنث.
(٣) في الطبعتين "جنون"، والتصحيح عن لسان العرب ١٣/ ١٣٨ (ختن).
٨٠٧ - التخريج: البيتان بلا نسبة في أمالي المرتضى ١/ ٧١، ٧٢؛ والأشباه والنظائر ٥/ ١٧٧، ٢٣٨، ٢٦٢؛ وسمط اللآلي ١/ ١٧٤؛ ولسان العرب ٤/ ٦٠٨ (عمر).
المعنى: هذه المرأة الثكلى الحزينة قد قامت على قبر رجل تبكيه، وتقول: إني وإن كنت في داري=

<<  <  ج: ص:  >  >>