للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الكلام، وما ورد من ذلك في الشعر فضرورة. وقد استبعد بعضُهم دخول اللام على العلم، فحمل ما جاء منه على أنّها زيادةٌ، على حدّ زيادتها في "اللات"، و"العُزَّى"، و"الذِي"، و"الَّتِي" و"الآنَ"، وأمّا قول الشاعر [من البسيط]:

٨٢ - [أخو رغائبَ يُعطيها وُيسْأَلُها] ... يَأْبَى الظُّلامةَ منه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ

فإنّ "الزفر" هنا صفةٌ، وليس بعَلَم، ومعناه: السيّد. و"النوفلُ": الكثير العَطاءِ، فلو سمّيت رجلاً بـ "زفر"، هذا بعد خَلْعك منه اللامَ، لوجب صرفُه حينئذ كـ "صُرَدٍ"، "ونُغَرٍ"، و"جُعَل". وما لا ينصرف معدولًا عن "فاعِلٍ" لا يجوز دخول اللام عليه، كـ"زُحَلَ"، و"قُثَمَ"، و"جُشَمَ".

وإنمّا كثرت الإضافة في الأعلام، ولم يستقبحوا ذلك فيها استقباحَهم تعريفها باللام، لوجهَيْن: أحدهما: أن الإضافة قد تجِدها في أنفس الأعلام كثيرًا واسعًا، نحو: "عبد الله" و"عبد الصَّمَد"، و"ذي الرُّمَّة"، و"أبي محمَّد" وسائرِ الكُنَى، فلم يتناف اللفظان، أعني العَلَم والإضافة. والوجهُ الثاني: أن الإضافة قد تكون منفصلة في كثير من كلامهم، فلا تفيد التعريفَ، نحوَ قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (١)، و {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (٢)، وعامّةِ أسماء


٨٢ - التخريج: البيت لأعشى باهلة في الأصمعيّات ص ٩٠؛ وأمالي المرتضي ٢/ ٢١؛ وجمهرة اللغة ص ٧٠٦، ٩٧١، ١١٧٤؛ وخزانة الأدب ١/ ١٨٥، ١٨٦، ١٩٥؛ ولسان العرب ٤/ ٣٢٥ (زفر)، ٥/ ١١١ (قفر)، ١١/ ٦٧٢ (نفل)؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص ٥٣، ٢١٤.
اللغة: الأخ: هنا المُلابِس الملازِم للشيءِ. الرغائب: جمع رغيبة وهي العطايا الكثيرة، أو الأشياء التي يُرْغَبُ فيها. الظُّلامةُ: هي ما تطلبه عند الظالم. النوفل: البحر والكثير العطاء. الزُّفَر: الكثيرُ الناصرِ والأهلِ والعدةِ.
المعنى: يريد الشاعر أنَّ مرثيه كان كريمًا كثير الهبات، يسأله الناس فَيُعطيهم، ولم يكن لأحد عنده مظلمة، ولم يكن أحد مهما كان قويًّا ليظلم الناس خوفا من هذا المرثي.
الإعراب: "أخو": خبر لمبتدأ محذوف. وتقدير الكلام: هو أخو، والخبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة. "رغائب": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. "يعطيها": فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره: هو، و"ها": مفعول به محله النصب. "ويُسْأَلُها": الواو: حرف عطف. "يُسأل": فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة، ونائب الفاعل مستتر تقديره "هو"، و"ها": مفعول به. "يأبَى": فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر. "الظلامة": مفعول به منصوب بالفتحة. "منه": جار ومجرور متعلقان بالفعل "يأبى". "النوفل": فاعل. "الزُّفَر": صفة لـ "النوفل" مرفوعة مثله بالضمة الظاهرة
جملة "هو أخو رغائب": ابتدائية لا محل لها. جملة "يعطيها": صفة لـ "رغائب" محلها الجر. وعطف عليها جملة "يُسألها". وجملة "يأبى الظلامة منه النوفل": خبر ثانٍ للمبتدأ "هو" محلها الرفع.
والشاهد فيه: أنَّ "الزُّفَر" صفةٌ وليس بعلم، ومعناه: السيّد.
(١) المائدة: ٩٥.
(٢) الأحقاف: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>