للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول من "هَنٍ": هَنَواتٌ. ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

أرَى ابنَ نِزارٍ قد جَفاني ومَلَّني ... على هَنَواتٍ شأنُها مُتتابِعُ (١)

ومنهم من يقول: "هَنانِ" في التثنية، و"هَناتٌ" في الجمع. فمن قال: "هَنَواتٌ"، لزِمه أن يقول في النسب: "هَنَويّ". ومن قال: "هَنانِ" في التثنية، و"هَناتٌ" في الجمع، كان مخيَّرًا فيه: إن شاء ردّ، وإن شاء لم يردّ، وإنّما لزم ردُّ الذاهب هنا، لأنّا رأينا النسب قد يردّ الذاهبَ الذي لا يعود في تثنية، ولا جمعٍ، كقولك في "يَدٍ": "يَدَويّ"، وفي "دَمٍ": "دَمَويّ". وأنت تقول في التثنية "يَدانِ"، و"دَمانِ"، فلمّا قويت النسبةُ على ردِّ ما لم تردّه التثنيةُ، صار أقوى من التثنية في باب الردّ، فلمّا ردّت التثنيةُ الحرفَ الذاهبَ؛ كانت النسبةُ أولى بذلك.

وأما الضرب الثاني: وهو ما لا يُرَد الساقط فيه، فهو ما كان الساقط منه فاءً أو عينًا، وذلك نحو النسب إلى "عِدَةٍ"، وَ"زِنَةٍ"، ونحوهما كـ"صِلَةٍ"، و"ثِقَةٍ"، فإنّك إذا نسبت إلى شيء من ذلك، حذفتَ تاء التأنيث، ولا تُعِيد المحذوف إلا لضرورة. وذلك قولك: "عِديّ"، و"زِني". فالذاهب منه واوٌ هي فاءٌ، وأصلُه: "وِعْدَةٌ"، و"وِزنَةٌ".

وإنّما لم يردّوا الذاهب منه؛ لأنه في أوّل الكلمة، فهو بعيدٌ من ياء النسب، فلو ظهر؛ لم يكن يتغيّر بدخول ياء النسب، كما تتغيّر لامُ الكلمة بالكسر من أجل الياء. ويؤيّد ذلك أن العرب لم تردّ المحذوف إذا كان فاءً في شيء من كلامها، لا في تثنية، ولا جمع بالألف والتاء، كما ردّوا فيما ذهبت لامُه، فلم يقولوا في مثل "عِدَةٍ"، و"زِنَةٍ": "وِعْدَتان"، و"وِزْنَتان"، ولا: "وِعْداتٌ"، و"وِزْناتٌ"، كما قالوا في "سَنَةٍ": "سَنَواتٌ"، وفي تثنية "أخٍ"، و"أبٍ": "أخَوان"، و"أبَوان"، وفي جمع "أُخْتٍ": "أخَواتٌ". لا نعلم في ذلك خِلافًا.

وقولنا: "إلا لضرورة" تحرّزٌ ممّا إذا كانت اللام ياءً، نحوَ: "شِية"، و"دِيَةٍ"، فإنّك تعيد المحذوف، وإن كانت فاءً ضرورةَ أن يبقى الاسم على حرفَيْن، الثاني منهما حرفُ مدّ ولين، وذلك لا يكون في اسم متمكّن، فتقول، على مذهب سيبويه (٢) في "شِيَةٍ": "وِشَوِيٌّ"، وفي "دِيَةٍ": "وِدَوِيٌّ". وذلك أنّ أصله "وِشْيَةٌ"، و"وِدْيَةٌ"، فألقيت كسرة الواو على ما بعدها، وحذفت الواو لأن الفعل قد اعتلّ بحذفها في "يَشِي"، و"يَدِي"، فبقي "شِيَةٌ"، و"دِيَةٌ" كما ترى. فلمّا نسبت إليهما،


(١) تقدّم بالرقم ٩٣.
(٢) راجع: الكتاب ٣/ ٣٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>