للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمّا اضطُرّ إلى ردّ اللام، أتى به ساكنَ العين. ويدلّ على أن الأصل في "يَدٍ": "يَدْيٌ" بالسكون تكسيرُهم إِيّاها على "أفْعُلَ"؛ نحوِ: "أيْدٍ"، و"أفْعُلُ" بابه "فَعْلٌ"، نحوُ: "كَلْبٍ"، و"أكْلُبٍ"، و"فَلْسٍ"، و"أفْلُسٍ".

وأمّا أبو الحسن الأخفش، فإنّه يردّ الكلمة إلى أصلها عند ردِّ ما سقط منها، فكأنّه ينسب إلى "وِشَيَةٍ"، فيقول: "وِشْييٌّ"، كما تقول في "ظَبْيَةٍ": "ظَبْييّ". وحجّتُه أنّ العين أصلُها السكون، وإنما تحرّكت عند حذف الفاء منها، فإذا أُعيد ما سقط منها، عادت إلى أصلها، وهو السكون.

والمذهب ما قاله سيبويه, لأن الشين متحرّكةٌ، والضرورةُ لا توجب أكثر من ردّ الحرف الذاهب، فلم تحتج إلى تغيير البناء. ومثلُ ذلك لو نسبت إلى "شاةٍ" بعد التسمية؛ لقلت: "شاهيّ"؛ لأنَّك تحذف تاء التأنيث، فبقي الاسم على حرفَيْن، الثاني منهما حرفُ مدّ ولين، وذلك لا نظيرَ له، فردّوا الساقط منه، وهو الهاء.

وقوله: وعن ناسٍ من العرب: "عِدَويٍّ"، يريد أن قومًا من العرب يردّون المحذوف، وإن كان فاءً، ويؤخرونه إلى موضع اللام، فكأنّه ينقلب ألفًا، فيصير "عِدًا"، و"زِنًا"، فإذا نسبت إليه، قلبت الألف واوًا على القاعدة، فتقول: "عِدَويّ"، و"زِنَويّ"، وهو رأي الفرّاء، حكى ذلك صاحبُ الصَّحاح (١).

وممّا لا يُرَدّ فيه الساقط: ما حُذفت عينه، نحوُ: "سَهٍ" في معنى الاسْتِ، وذلك أن فيه ثلاثَ لغات: "اِسْتٌ"، و"سَتٌ"، و"سَهٌ"، وأصلُها "سَتَةٌ"؛ وذلك لأنّك تقول في التصغير: "سُتَيْهَةٌ"، وفي التكسير: "أسْتاةٌ". فالذي قال: "اسْتٌ" و"سَتٌ"، حذف اللام، وهو الهاء، والذي قال: "سَهٌ"، حذف عين الفعل، وهو التاء. فإذا نسبت إليه على قولِ من قال. "اسْتٌ" أو"ستٌ"، فهو بمنزلة "ابْنٍ"، فإن شئت قلت: "اسْتيّ"، وإن شئت قلت: "سَتَهيّ"؛ لأنّ الساقط لا يظهر في التثنية، ولا في الجمع بالألف والتاء، ومن قال "سَهٌ"، لم يقل إلّا: "سَهِيٌّ"، كما لم يقل في "عِدَةٍ"، و"زِنَةِ" إِلّا: "عِديّ"، و"زِنيّ"، لبُعْد المحذوف من ياء النسبة.

وأمّا الضرب الثالث: وهو ما يسوغ فيه الأمران، فهو ما حُذف منه لامه، ولا يظهر ذلك في تثنية، ولا جمع بالألف والتاء، وذلك قولك في النسب إلى "يَدٍ": "يَديّ"، وإن شئت: "يَدَويّ"، وفي "دَمٍ": "دَمِيٌّ"، و"دَمَويّ"، وفي "غَدٍ": "غدِيّ"، وإن شئت "غَدَويّ"، فمَن نسب إلى الحرفَيْن فعلى اللفظ؛ لأن الأصل قد رُفض، فلم يظهر في تثنية ولا جمع، ومَن ردّ المحذوف؛ فلأنّ النسبة قويّةٌ في الردّ على ما تقدّم.


(١) الصحاح، مادة (زنى).

<<  <  ج: ص:  >  >>