للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: بحروف كلُها أصول، ولا يكون إلّا على أربعة أحرف لا غيرُ.

والثاني: بزيادة عليه، وذلك على ثلاثة أضرب: مُوازِنٌ للرباعي على سبيل الإلحاق به، وموازن له من غير إلحاق، وغير موازن له.

فأما الملحق بالرباعي فحكمُه حكم الرباعي في الماضي والمضارع والمصدر، نحو: "شَمْلَلَ يُشَملِلُ شَمْلَلَة"، و "حَوْقَلَ يُحَوْقِلُ حَوْقَلَةٌ"، و"بَيطَرَ يُبَيْطِرُ بَيطَرَةٌ" كما تقول: "دَحْرَجَ يُدَحْرِجُ دَحْرَجَةَ".

وأما المُوازِن من غير إلحاق، فثلاثةُ أبنية: "أَفْعَلَ"، و"فَعَّلَ"، و"فَاعَلَ"، فهذه الأبنية وإن كانت على وزن "دحرج" في حركاته وسَكَناته، فذلك شيءٌ كان بحكم الاتْفاق من غير أن يكون مقصودًا إليه، فلذلك لم يأت مصدره على نحو"الدَّحْرَجَة"، بل قالوا في "أَفْعَلَ": "إِفْعَالٌ"، نحوَ: "أَعْطَى يُعْطي إعْطاء"، و"أَكْرَمَ يُكرِمُ إكْرامًا"، وذلك أن الرباعي له مصدران:

أحدهما: "الفَعْلَلَة"، نحو: "الدَّحْرَجَة"، و"السرْهَفَة"، والآخر: "الفِعْلاَلُ"، نحو: "السِّرْهاف"، و"الزِّلْزال". والأؤل أغلبُ وألزمُ، وربّما لم يأت منه "فِعلالٌ"، ألا ترى أنهم قالوا: "دَحْرَجْته دَحْرَجَة"، ولم يُسمَع فيه "دِحْراجٌ"، فجاء مصدرُ الملحق على الأغلب، نحو: "البَيْطَرَة"، و"الجَهْوَرَة"، ومصدرُ ما وازَنَ من غير إلحاق على "فِعْلالٍ"، نحو: "الإكرام"؛ ليكون قد أخذ بحكم الشَّبَه والمُوازَنة من الرباعي بنصيب.

وأمّا "فَعَّلَ"، فإنَ مصدره يأتي على "التفْعِيل"، نحو: "كسّرته تَكْسِيرًا"، و"عذبته تعذيبًا". قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (١)، كأنّهم جعلوا التاء في أوّله بدلًا من العين المزيدة في "فعّل"، وجعلوا الياء قبل الآخر بمنزلة الألف التي في "الإفعال"، غيروا أوّله كما غيروا آخره كما فعلوا في "الإفعال". وقال قوم: "كلّمتُه كِلامًا"، و"حمّلته حِمّالًا". قال الله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} (٢) كأنهم نحوا نحو"أَفعَل إفْعالًا"، فكسروا الأوّل، وزادوا قبل الآخر ألفًا.

وأمّا "فَاعَلَ"، فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبدًا "مُفاعَلَةُ"، نحو: "قاتلتُه مُقاتَلَةً"، و"جالستُه مُجالَسَةً". جاء لفظه كالمفعول؛ لأن المصدر مفعول. قال سيبويه (٣): جعلوا الميم عوضًا من الألف التي بعد أولِ حرف منه، والهاء عوضًا من الألف التي قبل آخر حرف منه. يعني أن في "فِعال" قد حُذفت الألف التي كانت بعد الفاء، وفي "مُفاعَلَة" حذفت الألف التي قبل الآخر، فعُوّض منها. وفي الجملة: "المُقاتَلة"، و"المُخالفة" هنا كـ"المَضْرب"، و"المَقتَل" في مصدرِ "ضَرَبَ"، و"قَتَلَ"، جاءا على غير قياس أفعالهما.


(١) النساء: ١٦٤.
(٢) النبأ: ٢٨.
(٣) الكتاب ٤/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>