للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول:"قاتَلْتُه قِيتالًا"، و"ضاربته ضِيرابًا"، كأنّهم يستوفون حروف "فَاعَلَ"، ويزيدون الألف قبل آخره، ويكسرون أوَّلَ المصدر على حد "إكرامٍ"، و"إخْراج"، وإذا كسروا الأول، انقلبت الألف ياء.

ومنهم من يحذف هذه الياء تخفيفًا، فيقول: "قاتلتُه قِتالًا"، و"مارَيْتُه مِراءٌ"، والمصدر اللازم في "فاعلت": "المُفاعَلَةُ". وقد يدعون "الفِعالَ"، و"الفِيعال"، ولا يدعون "المُفاعَلَة"، قالوا: "جالسته مُجالَسَةً"، ولم يسمع: "جلاسًا"، ولا "جِيلاسًا"، ولا "قِعادًا"، ولا "قِيعادًا".

وأمّا غير الموازن فأبنيته عشرةٌ، منها اثنتان ليس في أولهما همزةٌ، وهما "تَفَعَّلَ"، و"تَفَاعَلَ"، وثمانية قد لزمت أوّلَها همزةُ الوصل، ثلاثةٌ خُماسيةٌ، وهي "انْفَعَلَ"، و"افتَعلَ"، و"افْعَلَّ"، وخمسةٌ سُداسيةٌ، وهي "اسْتَفْعَلَ"، و"افْعَالَّ"، و"افْعَوْعَلَ"، و"افْعَوَّلَ"، و"افعَنْلَلَ".

فأمّا "تَفَعَّلَ"، فبابُه "التفَعُّلُ"، نحو: "تَكَلَّمْتُ تَكَلُّمًا"، و"تَقَوَّلْتُ تَقَوُّلًا". جاءوا في المصدر بجميع حروف الفعل، وضمّوا العين، لأنّه ليس في الأسماء ما هو على "تَفَعَّل" بفتح العين، وفيها "تَفَعُّلٌ" بضمْ العين، نحو "تَنَوُّطٍ" لطائرٍ، ولم يزيدوا ياء ولا ألفًا قبل آخره، لأنّهم جعلوا التاء في أوّله، وتشديد العين عوضا مما يُزاد في المصدر.

وأمّا الذين قالوا: "كِذابًا"، فإنّهم يقولون: "تَحَمَّلْتُ تِحمّالا"، أرادوا أن يُدْخِلوا الألف قبل آخره، كما أدخلوها في "أفعلت"، وكسروا الحرف الأول كما كسروا أوّل "إفْعالٍ"، وإنّما يزيدون في المصدر ما ليس في الفعل فرقًا بينهما، وخصّوا المصدر بذلك؛ لأنه اسم، والأسماء أخف من الأفعال، وأَحْمَلُ للزيادة. فأمّا البيت الذي أنشده [من الطويل]:

وهو ثلاثة أَحْبابٍ ... إلخ

فإن البيت أنشده ثَعْلَب في أمَالِيه عن الأعرابي، والشاهد فيه قوله: "تِملآقٌ"، جاء به على "تَمَلقَ" مطاوع "مَلَّقَ". ويروى: "فحبُّ علاقةٌ" بالتنوين وبغير تنوين، والإضافة في الموضعَيْن، جعله منقوصًا من الأجزاء الخماسيّة. يريد أنّه قد جمع أنواع المحبّة: حُبَّ علاقة، وهو أصفى المودّة، وحبّ تملاق، وهو التودد. قال سيبويه (١): كأنّه يحمله على أمر تخيّله عنه، يقال: "مَلِقَ له مَلَقًا وتِمِلاقًا"، وحب هو القتل، يريد الغُلُو في ذلك.

وأما "تَفاعَلَ"، فمصدره "التفاعُلُ" كما كان مصدر "تَفَعَّلَ" "التفَعُّلَ", لأن الزنة،


(١) لم أقع على هذا القول في كتاب سيبويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>