ضربًا زيدًا، ولا يبعد عندي أن يكون هذا المصدر عاملًا في "زيد" لنِيابته عن الفعل، لا بحكمِ أنّه مصدرٌ، وجاء كقولك:"زيدٌ في الدار قائمًا"، فالعاملُ في الحال الظرف الموجود لا الفعل العامل فيه، وذلك لنيابته عن الفعل؛ كذلك هاهنا، ويكون فيه ضميرُ فاعل نُقل إليه من الفعل، وهو ضمير المخاطب، كما نقل الضمير من الفعل إلى الظرف في "زيدٌ في الدار قائمًا". ولو أظهر الفعل، وقلت:"اضْرِب ضَربًا زيدًا"، لم يكن العامل في "زيدًا" إلَّا الفعلَ دون المصدر، كما أنّك لو أظهرت العامل في الظرف، وقلت:"زيد استقرَّ في الدار قائمًا"، لم يكن العامل في الحال إلَّا الفعلَ دون الظرف، وكان خاليًا من الضمير، ولو قلت:"أنكرتُ ضَرْبَك زيدًا"، لكان في معنَى "أنْ" والفعلِ, لأنّه يحسن أن تقول:"أنكرتُ أن تضرب"، إذ العامل فيه من غير لفظه. ولك أن تقدره بـ "أن" والفعلِ المسند إلى الفاعل، نحوَ قولك:"أعجبني ضَرْبُك زيدًا"، والتقدير:"أن ضربت زيدًا". ولك أن تقدّره بالفعل الذي لم يسمّ فاعله، نحوَ:"ساءَني ضربُك"، والتقدير:"أن ضُرِبتَ"، والفرقُ بينهما بالقرائن.
وإنّما عمل المصدر إن كان على هذه الصفة, لأنّه في معنى الفعل على ما ذكرنا، ولفظُه متضمن حروف الفعل، فجرى مجرى اسم الفاعل، فعمِل عملَه، ألا ترى أنّ "أنْ" وما بعدها من الفعل، لمّا كانت في تأويل المصدر، أُعطيت حُكمَه، فوقعت فاعلةً ومفعولةً ومضافًا إليها، نحوَ قولك:"أعجبني أن قمتَ"، فـ"أنْ" وما بعدها من الفعل في موضع مرفوع بأنه الفاعل. وتقول:"أكرَهُ أن تقوم"، والمعنى: أكره قيامَك، كذلك المصدَر إذا كان مقدرًا بـ"أنْ" والفعلِ؛ كان له حكمُ الفعل من العمل.
وإنما اشتُرط أن يكون لفظ المصدر العامل متضمنًا حروفَ الفعل ليدل على الفعل، فلذلك تقول:"مُروري يزيد حسنٌ، ومروري بعمرٍو قبيحٌ"، ولو قلت:"وهو بعمرو قبيحٌ"، لم يجز؛ لزوال حروف الفعل من لفظه.
وهذا المصدر يعمل على ثلاثة أضرب: إذا كان مفردًا منونا، وإذا كان مضافًا، وإذا كان معرَّفًا بالألف واللام.
فأمّا الأول، وهو ما كان منونًا، فهو أقيسُ الضروب الثلاثة في العمل، وذلك من قِبَل أن المصدر إنّما عمل لشَبَهه بالفعل، والتنوينُ يدّل على التنكير، فهو في المعنى موافق لمعنى الفعل، وإن كان في اللفظ من زيادات الأسماء.
وأمّا المضاف، فإعمالُه في الجر بعد الأوَل, لأن الإضافة وإن كانت من خصائص الأسماء وبابُها التعريف والتخصيص، وذلك ممّا لا يكون في الأفعال، إلَّا أن الإضافة قد تقع منفصلة، فلا تفيد التعريفَ على حد وقوعها في اسم الفاعل، فلمّا كان التعريف قد يتخلّف عن الإضافة؛ لم تكن الإضافة منافِيةً لمعنى الفعل من كل وجه، إذ قد توجَد غيرَ معرّفة.