للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما ما عمِل من المصادر، وفيه الألف واللام، فهو أضعفُها؛ لأن الألف واللام لا تكون في أسماء الأجناس التي هي الأُصول إلَّا معرّفة، فلذلك ضعُف إعمالها. وإنّما قلنا: "في أسماء الأجناس" تحرزًا من الأعلام، فإن الألف واللام قد تدخلها لا لمعنى التعريف، نحوَ: "الحَسَنُ"، و"العَباس"، ونحوِ قوله [من الرجز]:

باعَدَ أُمَّ العَمْرِو من أسِيرِهَا (١)

فمثال ما عمل من المصادر منوَّنًا قولك: "أعجبني ضربٌ زيدٌ عمرًا"، وإن شئت قلت: "أعجبنى ضربٌ عمرًا زيدٌ" فتُقدّم المفعول على الفاعل، وذلك قليل في الاستعمال. وإنّما جاز أن تأتى بعد المصدر بالفاعل والمفعول، ولم يجز أن تأتي بعد اسم الفاعل إلَّا بالمفعول، وذلك من قِبَل أن المصدر غيرُ الفاعل والمفعول، فلم تستغن بذكره عن ذكرهما. وليس كذلك اسم الفاعل، فإنّه هو الفاعل، فلم تحتج إلى ذكره بعده، فلذلك لم تجز إضافتُه إلى الفاعل, لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.

وجملة الأمر أن الفرق بين اسم الفاعل والمصدر من وجوه ستّة:

أوَّلُها: أن الألف واللام في اسم الفاعل تفيد التعريف مع كونها بمعنى "الذِي"، والألف واللام في المصدر تفيد التعريف لا غيرُ.

الثاني: أن اسم الفاعل يتحمل الضميرَ كما يتحمّل الفعل؛ لأنه جارٍ عليه، والمصدر لا يتحمّل ضميرًا؛ لأنه بمنزلة أسماء الأجناس، والفاعل يكون معه منويا مقدَّرًا غيرمستتِر فيه.

الثالث: أن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول، واسمُ الفاعل لا يضاف إلَّا إلى

المفعول لا غيرُ، وقد ذُكر.

الرابع: أن المصدر يعمل في الأزمنة الثلاثة، واسم الفاعل يعمل عمل الفعل في الحال والاستقبال.

الخامس: أن المصدر لا يتقدّم عليه ما يعمل فيه، سواء كانت فيه الألف واللام، أو لم تكن، واسم الفاعل يتقدّم عليه ما ينصبه إذا لم تكن فيه الألف واللام.

السادس: أن اسم الفاعل لا يعمل حتى يعتمد على كلام قبله، والمصدر يعمل معتمدًا، وغير معتمد. فممّا جاء مُعْمَلًا من المصادر منونًا قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} (٢)، فـ"يَتِيمًا" منصوب بالمصدر الذي هو "إطعام"، والتقدير: أو إطعامٌ هو، فيكون الفاعل مقدرًا محذوفًا. فإن صرّحت بالفعل، كان الفاعل مستترًا، نحو


(١) تقدم بالرقم ٦٩.
(٢) البلد: ١٤ - ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>