للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّما قلنا إنه في معنى الفعل لأمرَيْن:

أحدهما: أنّك إذا قلت: "زيدٌ أفضل منك" فإنّما المراد أن فضله يزيد على فضلك، فهو عبارة عن الفعل.

والأمر الثاني: أنّه متضمِّنٌ المصدر وزيادةً، فكان كالفعل الدال على الحدث والزمان، فلمّا كان الفعل لا يضاف، ولا تدخله لامُ التعريف؛ لم تدخل على ما هو في معناه، فلذلك لا تقول: "زيد الأفضل من عمرو"، ولا "الأحسن من خالد" لِما ذكرناه، ولأنّ "مِنْ" تَكْسِب ما تتّصل به من "أَفْعَلَ" هذه تخصيصًا ما. ألا ترى أن فيه إخبارًا بابتداء التفضيل وزيادة الفضل من المفضول؟ وهذا اختصاصُ الموصوف بهذه الصفة، و"من" ها هنا وقع بعد الفضل من قوله تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ} (١). فلمّا كانت "مِنْ" للتخصيص، واللامُ إذا دخلت عليه استوعبت من التعريف أكثرَ ممّا تفيده "مِنْ" من التخصيص، كرهوا الجمع بينهما، فيكون نقضًا لغرضهم وتراجعًا عما حكموا به من قوّة التعريف إلى ما هو دونه، فلمّا لم يجز الجمع بين اللام و"مِنْ" لِما ذكرناه، عاقبوا بينهما؛ فإذا وُجد أحدهما، سقط الآخر، ولم يجز أن يسقطا معًا، لئلا يذهب ذلك القدر من التخصيص المفاد من "مِنْ" والتعريفِ المفاد من الألف واللام، لا يقال: "زيد الأفضل من عمرو"، ولا "الأحسن من خالد"، ولا يقال: "زيدٌ أفضلُ". وكذلك مؤنّثه وتثنيتهما وجمعهما، لا يقال: "فُضْلَى"، ولا "أفضلان"، ولا "فُضْلَيان"، ولا "أفاضِلُ"، ولا "فُضْلَياتٌ"، ولا "فُضَل". لا بد من "مِنْ" أو التعريف بالألف واللام، أو الإضافة، لِما ذكرناه.

فصل [أحكامه مع "مِنْ" وبدونها]

قال صاحب الكتاب: وما دام مصحوباً بـ "مِنْ" استوى فيه الذكر والأنثى والاثنان والجمع, فإذا عرف باللام, أُنّث وثني وجمع، وإذا أضيف ساغ فيه الأمران, قال الله تعالى: {أكابر مجرميها} (٢) , وقال: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} (٣) , وقال ذو الرمة [من الوافر]:

٩٢٤ - ومية أحسن الثقلين جيداً ... وسالفة وأحسنه قذالا

* * *


(١) الكهف: ٣٩.
(٢) الأنعام: ١٢٣.
(٣) البقرة: ٩٦.
٩٢٤ - التخريج: البيت لذي الرمّة في ديوانه ص ١٥٢١؛ والأشباه والنظائر ٢/ ١٠٦؛ وخزانة الأدب ٩/ ٣٩٣؛ والخصائص ٢/ ٤١٩؛ والدرر ١/ ١٨٣؛ ولسان العرب ١١/ ٨٨ (ثقل)؛ وبلا نسبة في أمالي. =

<<  <  ج: ص:  >  >>