للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا قوله تعالى، في قراءة ابن مسعود: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (١)، فالأشبهُ بالقياس أن يكون "العالم" ها هنا مصدرًا كـ "الفالج"، و"الباطل". فكَأنّه قال: "وفوق كلّ ذي عِلْم عليمٌ"، فالقراءتان في المعنى سَواءٌ. ويجوز أن يكون على مذهب من يرى زيادةَ "ذِي"، فيكون حاصلُه: و"فوق كل عالمٍ عليمٌ". ويجوز أن يكون من إضَافة المسمّى إلى الاسم، أي: و"فوق كلّ شخص يسمّى عالماً، أو يُقال له: عالمٌ، عليمٌ"؛ وذلك على حد قول الشاعر [من الطويل]:

إليكم ذوِي آلِ النبي تَطلّعتْ ... نَوازعُ من قَلْبِي ظِماءٌ وَأَلْبُبُ (٢)

على ما سنذكر في موضعه.

والموضع الثاني: ما اختلف آخِرُه في اللفظ بحرف، وهو"كِلا". اعلمْ أنّ "كِلا" اسمٌ مفردٌ، يفيد معنى التثنية؛ كما أنّ "كُلاًّ" اسم مفرد، يفيد معنى الجمع والكثرةِ. هذا مذهب البصريين (٣).

وذهب الكوفيون إلى أنَّه اسمٌ مُثَنًّى لفظًا ومعنًى. والصوابُ مذهب البصريين؛ بدليل جوازِ وقوع الخبر عنه مفردًا، نحوَ قولك: "كِلَا أخوَيْك مُقْبِلٌ". قال الشاعر [من الوافر]:

٩٧ - كِلا يَوْمَيْ أُمامَةَ يومُ صَدًّ ... وإنْ لم نَأْتِها إلَّا لِماما


(١) يوسف: ٧٦. وانظر: البحر المحيط ٥/ ٣٣٣؛ والمحتسب ١/ ٣٤٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ١٨٥.
(٢) تقدم بالرقم ٥٣.
(٣) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ص ٤٣٩، ٤٥٠.
٩٧ - التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص ٧٧٨؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩١؛ ولسان العرب ١٥/ ٢٢٩ (كلا).
اللغة: لمامًا: أحيانًا على غير مواظبة.
المعنى: يريد أنّه يزور أمامة في بعض الأحيان على غير مواظبة، وهي دائمًا تصدّه.
الإعراب: "كلا": مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف، وهو مضاف. "يومي": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة. "أمامة": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "يوم": خبر مرفوع بالضمة. "صدّ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "وإن": الواو: حالية، "إن": وصلية زائدة. "لم": حرف نفي وجزم وقلب. "نأتها": فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة الجزم حذف حرف العلة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبًا تقديره: نحن، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "إلا لماما": "إلا": حرف حصر، "لماما": حال منصوب بالفتحة.
وجملة "كلا يومي أمامة يوم صدّ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "وإن لم نأتها إلا لماما": في محل نصب حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>